اللي يحب بيضحي!

2380

– اللي بيحب حد يقبله زي ما هو ويستحمل عيوبه.

– بس أنا تعبت.

– الحب تضحية.

– يعني تؤذيني وأسكت؟! https://bit.ly/2I7pYkz

– وهو فيه حد كامل؟!

 

نعم.. من يحب أحدًا يقبله ﻷنه لا يوجد إنسان كامل. والحفاظ على العلاقة يتطلب مجهودًا. ولكن هذا الكلام يتطلب توضيحًا حتى لا يُساء استخدامه.

فما الفرق بين قبول اﻵخر والسكوت على أذاه؟

متى تستحق العلاقة الصبر أملاً في إصلاحها؟ ومتى يكون إعطاء الفرص تضييعًا للعمر؟

 

أن تقبل الآخر لا يعني…

– أن تنافقه وألا تصارحه بأخطائه، ولكن يعني الاعتراف بحقه في أن يخطئ ويتعلم من خطئه، دون لومه باستمرار وإشعاره بالذنب، أو الحكم عليه ووصمه بصفة معينة، مثل فاشل، مهمل، منحل… إلخ.

 

– أن توافق على تصرفاته، أو تضع خدك له مداسًا، وتسكت على أذاه، وتكبت مشاعرك بالغضب أو الإحباط… بسبب تصرفاته. قبول اﻵخر يعني أن تقبل مشاعره، ولكن ليس بالضرورة أن توافق على تصرفاته أو كلامه. قبول اﻵخر لا يتعارض مع حقك في التعبير عن مشاعرك واحتياجاتك بطريقة لا تؤذيه، ولا مع حقك في عدم السماح له بأن يؤذيك، ولا مع سعيك إلى نيل حقوقك. قبول الآخر لا يتعارض مع قول “لا”.

 

ولنا هنا وقفة.. “لا” التي نقولها بعد طول خضوع وكبت غالبًا ما تكون غشيمة ومندفعة، “لا” على كل شيء، فيها لوم مستمر، مطالبة بالكمال، عدم التماس للأعذار، عدم استماع للآخر، تركيز على النقائص، صدام مستمر. “لا” هذه تتعارض مع قبول الآخر، ﻷنها تفسد العلاقات وتبعد المسافات، وتضيع الحقوق. “لا” تصغرك وتوصل للآخر رسائل سلبية.

 

أما “لا” التي تكبرك وتوصل للآخر رسائل إيجابية، فهي “لا” الحكيمة الرحيمة التي تشجعك على النظر إلى حسنات اﻵخر، ووضع نفسك مكانه، ورؤية اﻷمور من وجهة نظره، آخذًا في اعتبارك الظروف التي نشأ فيها ودرجة الوعي التي وصل إليها. عندما تقول “لا” الحكيمة فإنك تختار معاركك، توازن بين اﻷمور التي تتطلب الحزم، وتلك التي يمكن تأجيلها، وتلك التي يحسن التغافل عنها. مع “لا” الحكيمة، نفهم ما يمكن وما لا يمكن تغييره حتى تكون توقعاتنا واقعية.

 

هناك أمور لا يمكن تغييرها إلا بشكل طفيف كالأنماط المزاجية  مثل: مستوى النشاط البدني، وجود أو غياب نمط منتظم للأنشطة البدنية الأساسية، حدة العاطفة التي يستجيب بها الإنسان لموقف ما، الحالة المزاجية العامة، المثابرة، القدرة على التركيز، وغيرها. ليس لأحد نمط ثابت طوال الوقت، لكن لكل إنسان نمطًا معتادًا يولد به. يمكن تعديل مزاج الفرد إلى حد ما في السنوات المبكرة من العمر، وعند سن المدرسة يكون النمط المزاجي للفرد قد تشكل ويصعب تغييره.

 

يفهم الشخص طبيعته ليحترمها، ويتعلم بعض المهارات التي تجعل هذه الطبيعة في صالحه وليس ضده، لأن لكل طبيعة وجهًا إيجابيًا وآخر سلبيًا. فمثلاً الشخص سهل التشتت يتميز بالمرونة وقوة ملاحظته لأشياء لا يلاحظها الآخرون. ولكنه إن لم يتعامل مع سهولة تشتته فلن ينجز شيئًا، لذلك يمكنه أن يعمل في بيئة خالية من المشتتات، ويجزئ المهام الكبيرة إلى أخرى صغيرة. على الجانب الآخر، يستطيع الإنسان تغيير معتقداته، بعض سلوكياته، طريقة تعامله مع بعض المواقف، عاداته، وتعلم مهارات جديدة.

 

أمثلة: يمكن للإنسان أن يغير اعتقاده أنه فاشل أو غبي أو غير محبوب، أو أن الزواج مشروع فاشل، أو أن الرجال متلاعبون، أو أن الحياة غير عادلة، بل يحتاج أن يفعل ومن حق نفسه أن يفعل. يمكن للإنسان أن يحسن أخلاقه، فليس هناك من يولد كاذبًا أو صادقًا بالفطرة مثلاً.

 

التغيير يحتاج وقتًا، و”لا” الحكيمة تتطلب ترويًّا وصبرًا. فمتى يكون الصبر وإعطاء الفرص استثمارًا في العلاقة؟ ومتى يكون تضييعًا للعمر؟

 

– عندما يكون للآخر رصيد من المشاعر والأفعال والمواقف الطيبة، فإنك تستطيع الصبر على الأوقات التي يكون فيها في حالة نفسية سيئة ومقصرًا في بعض مسؤولياته.

 

– عندما تقوم العلاقة على أساس سليم من الحب والاحترام والقبول والمساندة والثقة، يمكنكما البحث عن حلول للمشكلات التي تقابلكما، لكن عندما تنال العلاقة من احترامك لنفسك وتسودها الإهانة والشك، فإنها تحتاج إلى إعادة نظر، ولكن بعد أن تقوم بنصيبك من المسؤولية للحفاظ على العلاقة. ولو وصلتما إلى مرحلة تتوقف فيها الحياة، يمكنكما حينئذ اللجوء إلى متخصص.

 

– الشخص الذي يمارس مسؤوليته تجاه العلاقة يستحق فرصًا. كلنا نخطئ، ولكن هناك من يكابر، بل يهاجمك ويتهمك بأنك السبب. وهناك من يخلط الأوراق، فيذكرك بأفضاله عليك أو بحسناته محاولاً إشعارك بالذنب لجحودك، لتجد نفسك أنت من تعتذر له. وهناك من يعتذر وهو يجلد نفسه محاولاً أن يستدر شفقتك، وإن لم تكن منتبهًا فسوف تشعر بالذنب معتقدًا أنك السبب في وصوله إلى هذه الحالة المؤلمة، وربما تجد نفسك أنت من تبرر أخطاءه محاولاً التخفيف عنه.

 

كل هذه ألعاب للهروب من المسؤولية. الصادق في اعتذاره ورغبته في التغيير وفي الحفاظ على العلاقة لا يهاجمك أو يهينك، لا يحاول أن يستدر شفقتك، أو يعدك أنها المرة الأخيرة، أو يبرر خطأه، بل يبحث عن حلول ويقوم بنصيبه من المسؤولية، يعبر عن مشاعره واحتياجاته باحترام، يعتذر بكرامة، ويتحمل عواقب أفعاله بمسؤولية، ولا يسمح بالإهانة أو الأذى كثمن يدفعه مقابل عفو الآخر عنه.

 

عندما نتوقف عن محاولة تغيير الآخرين، ونركز على مسؤوليتنا عن أنفسنا، وعلى نصيبنا من المسؤولية عن العلاقة، فإن هذا قد يلهم الآخر أيضًا للتغيير. شكل العلاقة أيضًا سيختلف، لأن العلاقة عبارة عن تفاعل بين اثنين. لذلك فعندما يتغير أحد طرفيها فإن المعادلة كلها تتغير، فإما سيغير الآخر من نفسه إن كان باقيًا على العلاقة وإما سيرحل عنها.

والآن.. هل تعتقد أن الحب تضحية؟

 

المقالة السابقةنعومة الرجولة وقوة الأنوثة
المقالة القادمةمسلسل “طريق”.. ليس بالحب وحده تنجح العلاقات

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا