السلطانية وحكايات الزمن الجميل

1184

 

بقلم/ فاطمة حسن عباس

 

“علي بابا بعد الضنا.. لبس حرير في حرير.. وسكن في قصر عالي كبير”.

 

لا زلت أذكر نبرة صوت أبي وهو يختتم حكاية “علي بابا والأربعين حرامي” بتلك الجملة، فلهجته كانت شيقة، أضافت للحكاية بُعدًا من الجمال والتشويق. كنت صغيرة، لا أذكر في أي سن تحديدًا، لكن قبل التحاقي بالمدرسة الابتدائية عندما بدأ أبي يقص عليَّ الحكايات.. “علي بابا والأربعين حرامي”، “حكاية السلطانية”، وغيرهما الكثير.. حكايات أثَّرت في، أعطتني العظة والحكمة، وكانت أقرب لحياتي الواقعية عندما كبرت من حكايات الأميرات والجنيات والفارس المغوار.

 

سأصحبكم في جولة مع حكاياتي وماذا تعلمت منها، كلما سمعتها مرارًا وتكرارًا أدركت أنها تصلح لكل زمان ومكان.

 

***

يُحكَى أن أحدهم ساقته الأقدار إلى بلاد بعيدة، وسقط في الأسر، وطلب أهل البلد منه أن يفتدي حياته بهدية، فما كان يملك سوى سلطانية فارغة. قدمها لهم فهي كل ما كان يملك. اندهشوا لها: “ما هذا الشيء العجيب؟!”، ووضعوا السلطانية ضمن أغلى المقتنيات، وانهالوا على الرجل بالهدايا نظير هذا الشيء العجيب.

 

عاد الرجل لبلاده وهو يحمل ثروة من الهدايا نظير السلطانية، فقص على صديقه ما حدث، فحدثت نفس صديقه إليه: إن كان أهداهم سلطانية فأهدوه كل هذه الهدايا؟ فماذا إن حملت إليهم هدية أكبر حجمًا وأكبر قيمة!

 

بالفعل سافر الصديق إلى نفس البلاد وهو يحمل قدرًا كبيرًا من الهدايا المتنوعة، اشتراها بكل ما يملك، وقدم لهم الهدايا، فرحوا بها كثيرًا وقرروا إهداءه أغلى ما يملكون، فأعطوه السلطانية!

 

عندما استمعت للحكاية اندهشت لمصير الصديق، وتخيلت الحسرة التي شعر بها وهو يتلقى ما لم يتوقعه، فقد كنت مثله أتوقع مقابلاً أكبر من السلطانية.. أنظر لأحداث الحكاية وأرى أنه لا بد من التأنِّي والدراسة الجيدة لأبعاد أي موقف، بما في ذلك ثقافة ووعي من أتعامل معه قبل اتخاذ أي قرار، حتى لا أحصد نتيجة غير متوقعة.

 

***

حكايات الكتاب المدرسي لا تُنسى، لا زلت أذكر حكاية الولد الذي أراد لفت انتباه من حوله فادَّعى الغرق، وما أن فزع الناس وهموا لنجدته يضحك ويسخر منهم لأنهم خُدِعوا باستغاثته الوهمية. كرر الأمر أكثر من مرة، وعندما وقع في مأزق حقيقي وأوشك على الغرق لم يهم لنجدته أحد.

 

حكايته أثرت في بشكل كبير، كيف أن الكذب مسيء لصاحبه وربما يوقعه في مشكلات، وأدركت مع الوقت أهمية الثقة وكيف أنها علاقة تُبنى من المواقف.

 

***

يُحكى أن سار جحا في السوق هو وولده وزوجته وحماره، فعاب الناس على جحا كيف يحمل ولده على السير وهو في هذه السن الصغيرة، فرفع جحا ولده فوق ظهر الحمار وسار في السوق، فعاب الناس عليه، كيف يقبل الولد الراحة ووالداه يتعبان بالسير، فجلس جحا هو وزوجته على ظهر الحمار وسار الولد، فعاب الناس أنانية جحا وزوجته، فجلس جحا وزوجته وابنه على الحمار فعاب الناس عليه التحميل الزائد على ظهر الحمار. حمل جحا الحمار وسار في السوق فسخر منه الناس.. لا أذكر مصدر الحكاية ولكني أذكرها عندما أتعامل مع من حولي، فأدرك أنني مهما حاولت ومهما فعلت فلن أربح رضا جميع الناس، فأكتفي بفعل ما أقتنع به.

 

***

أغرب حكاية استمعت إليها وأنا صغيرة كانت من معلمة في المرحلة الابتدائية، لا أذكر تفاصيل عن المعلمة، ما علق في ذهني إلى وقتنا هذا هو الحكاية التي روتها علينا في الفصل، تقول الحكاية: كان هناك طفل صغير تحبه أمه كثيرًا، ومن حبها له كانت لا تمنع عنه شيئًا، يفعل ما يشاء ويأخذ ما يشاء.. كبر هذا الولد وساء مستقبله حتى أصبح لصًا، وقُبِض عليه متلبسًا. وهو في انتظار العقوبة طلب شيئًا واحدًا، وهو أن تُعاقَب أمه مثله. تعجَّب الناس حوله: كيف هذا؟ ولم يطلب توقيع عقوبة على أمه؟ أجاب: “لأنها لم تنهاني عن الخطأ، كانت تراني آخد الألعاب والطعام من جيراني وأصدقائي فلا تلوم عليَّ شيئًا.. حتى أصبحت هكذا”.

أتذكر هذه الحكاية كثيرًا عندما أتعامل مع الأطفال، والكبار أيضًا، وكيف أن النصح مهم ويؤثر بشكل إيجابي فيمن هم في حاجة إليه.

 

***

أؤمن أن كل ما نسمعه أو نراه يؤثر فينا بشكل أو بآخر، يضيف إلينا وإلى وعينا ونظرتنا لما حولنا، وعليه أحب الاستماع إلى الحكايات، وأحب أن أقصها على مسامع الأطفال، وأستمتع بنظرة الدهشة والترقب المرسومة على ملامحهم الصغيرة.

 

4 حواديت من الزمن الجميل

 

المقالة السابقةعودة ماري بوبنز.. كيف ينقذنا السحر من إخفاقات الحياة
المقالة القادمةكيف جعلتني أمي سوبر هيرو
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا