الدورة الشهرية المقدسة

2069

تعجبت عندما قرأت في مقال للدكتور وسيم السيسي أن الرجل البدائي كان يخاف المرأة ويقدسها تمامًا مثل خوفه من الظواهر الطبيعية، لأنه لم يعرف سر الحمل والإنجاب، ولكنه ربط بين دم الدورة الشهرية والحمل، وحيَّره لماذا غاب الدم بعد الحمل مباشرة!

لذلك توقع أن الجنين قد تكوّن من هذا الدم فقدسه، حتى أنه كان يأخذ من دم الدورة الشهرية، ويرش به الأرض الجدباء اعتقادًا منه أنها ستثمر كما أثمرت المرأة من هذا الدم.

 

في مصر القديمة كانت المرأة شريكة الإله في الخلق، الإلهة إيزيس الجميلة إلهة الأمومة. القصة المشهورة التي تُروى على أعمدة وجدران المعابد، حيث كانت من أهم معبودات الفراعنة، والتي أقيمت لها عدة معابد، من أهمها معبد في جزيرة فيلة بأسوان.

 

في مصر القديمة ترى جمال المرأة، جمالها الذي يتجلّى في الرسوم التي تُظهر مفاتنها روعة جسدها، فترى ملابسها الشفافة التي توضح كل تفصيلة فيه، هذه الرسوم كان يراها الجميع دون حرج، جسد يشهد على جمال الخالق الذي يتجلّى في هذه الرشاقة وحركات الجسم الجميلة، حيث تأخذك الرسوم إلى عالم آخر مليء بالموسيقى المنطلقة من أوتار ذلك الهارب الجميل والقيثارات الرائعة.

 

في مصر القديمة اهتمت المرأة بنفسها بالأكسسوارت الجميلة والملابس الرقيقة والكحل وأحمر الشفاه وطلاء الأظافر والأساور والعقود والأقراط والتطريز على ملابسها. كل شيء مسجل ببراعة، حتى طريقة الولادة والعلاقات الحميمة.

كانت حياتها جميلة ملونة، كما أنها حققت نفسها، حيث كانت تعمل في البيت وتشارك الرجل في الحقل وفي ورش الصناعات والحرف المختلفة.

 

لم يخلُ جدار من نقوش ورسوم تقدر المرأة، صارت ملكة وحكمت مصر.. هي نفرتاري وحتشبسوت درة الأميرات، ميريت، خنت كاوس، نيت إقرت، سبك نفرو. قادت المرأة الفرعونية حروبًا وأقامت ممالك، صنعت حضارة. كانت مساوية للرجل في كل شيء.

كل ذلك دار بذهني، ليأتي بتساؤل: أين نحن الآن من حضارتنا القديمة؟

أين نحن وبناتنا تخجل وتتوارى عندما يذكر اسم الدورة الشهرية وكأنك نطقت بكلمة خارجة!

 

لماذا تلوث فكرنا حتى أصبحنا نخجل من أجمل الأشياء وسر الحياة؟ فالدورة الشهرية هي معجزة شهرية تحدث بداخل كل أنثى تعبر عن أجمل الأمور الإلهية، وهي الخلق. فنرى الفتيات تسميها بأسماء أخرى، أتذكر وأنا صغيرة كانت زميلاتي يطلقن عليها “إكس”(x) لأنهن يخجلن من أن ينطقن بها، والبعض الآن يقلنها باللغة الإنجليزية (بريود)، وفي مرحلة الإعدادية كان من ضمن دروس العلوم درس يشرح الدورة الشهرية، هذا الدرس الذي كان لا يُدرس مطلقًا في مدارسنا، وكانت هناك همهمات وضحكات تنتاب الفصل عندما نرى ارتباك المعلمة عندما يحين موعد الدرس، فنجدها بسرعة كبيرة تتخطاه أو تطلب منا أن نقرأه في البيت وكأنها تهرب من هم كبير.

 

لماذا تخجل بعض الأمهات أن تشرحن ببساطة لبناتهن عن الدورة الشهرية، تشرحها كشيء مقدس جميل وتخبرها أن بطانة رحمها الجميل الذي خصها به الله تتهيأ في كل شهر لتغذية بويضة صغيرة، ستكون يومًا ما عندما يحين الوقت ويريد الله سببًا في تكوّن طفل جميل، ولكن إلى أن يأتي هذا الوقت فإنه في كل شهر تسقط هذه البطانة وتنفصل عن الرحم، وأثناء هذا الانفصال تحدث بعض التقلصات البسيطة التي يمكن تحملها بحمام ساخن أو أخذ مسكن خفيف إذا لزم الأمر، وممارسة الرياضة وأكل غذاء متوازن.

 

يجب أن تعلم كل أم ابنتها كيف تستخدم الفوط الخاصة وتحافظ على نظافتها في هذا الوقت، تكلمها في جو من الحب والفخر بأنوثتها لا كمن يتحدث عن أمر غريب ومخجل ومجهول، لتعلمها أنها تنمو نموًا طبيعيًا جميلاً، تعلمها أن تسعد وتفخر بكونها أنثى، وأن الله وهبها هذا الأمر الرائع لتقوم وحدها بالدور العظيم في الحياة، وأعطاها من القوة ما يجعلها قادرة على أن تصنع المستحيل. وتساعد الطبيعة في استكمال دورتها لتستمر الحياة، نعم هي دورة مقدسة لاستمرار الحياة والنوع، هي دورة لحفظ البشرية.

المقالة السابقةكيف تواجهين وحش البريود الشرير
المقالة القادمةكيف يمكن التوفير في المصروف عن طريق التوفير في الطعام !

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا