الحب وحده لا يكفي

2664

 

آلاء الكسباني

 

“I can love you and still let you go”

يمكنني أن أحبك وأتركك ترحل.. جملة سمعتها في مسلسل 13reasons why، قد تبدو غريبة جدًا حين نناقش معنى الحب ومفهومه بالطريقة المعهودة التي نعرفها جميعًا، فمن يحب يشعر بأنه يريد أن يظل بقرب محبوبه للأبد، وإن رحل، سيشعر بخواء قاتل. لكننا حين نربطها بالواقع، يتحول مفهومها إلى سمة أساسية للحب، الحب الحقيقي، ليس ذلك الذي شاهدناه في أفلام عبد الحليم، ذلك الذي يحدث من نظرة، المتقد الملتهب الممتلئ بالفراشات والورود، أو بنيران اللوع إن انتهى، وحتى يُفضي إلى موت.

 

“زمان كنت فاكرة الحب حاجة كبيرة قوي زي إنك تقف قدام اللي بتحبه وتاخد مكانه رصاصة.. بعدين لما كبرت فهمت إن الحب أبسط من كده بكتير، زي إنك تتنازل وتيجي على نفسك عشان تعرف تتفاهم مع اللي بتحبه.. بس بيني وبينك، إنك تاخد رصاصة أسهل”.. هند صبري – فيلم لعبة الحب.

 

نعم، كانت هذه في مرحلة من مراحل حياتي فكرتي عن الحب تمامًا، مثلما قالت هند صبري، وبعد كل تجاربي في الحياة، أيقنت مثلها أيضًا أنه لا وجود لهذا النوع من الحب، ليس لأنه نادر الوجود، بل لأنه أصلاً ليس صحيحًا، هذا النوع من الحب المصحوب باللهب المبالغ فيه وعدم القدرة على الفراق لا يناسب سوى حب فترات المراهقة.

 

إنما الحب الواقعي هو ذلك الذي يتَّسِم بالهدوء والرزانة، لا يفقد شغفه، لكنه هادئ. يعي طرفاه أن الحياة ليست دائمًا ما تسير على وتيرة واحدة، ويعرفان أن لرغبتهما في إمضاء العمر معًا عقبات، لأن الحياة لا تخلو من المطبات والمصاعب، وحبهما هو الوحيد القادر على تحليهما بالصبر لتحويل هذه العقبات إلى مواقف يضحكان منها حين يتذكرانها.

 

لذلك فإن الفراق شيء أساسي للأسف لا نستطيع تجنبه إن لم يكن هناك عوامل أخرى تساند الحب، كالتفاهم والصبر والمودة والقدرة على تقبُّل الشريك بكل عيوبه، ليس التغاضي عنها، بل رؤيتها بوضوح وتقبلها لدرجة الحب، بشرط ألا تكون عيوبًا تمس الكرامة والاحترام المتبادل بين الطرفين، فليس من المنطقي مثلاً أن أظل على علاقة برجل يهينني مبررةً له بطبعه الحاد وعصبيته الزائدة، لأن هذا يحولنا -لا مفر- إلى أنواع العلاقات المُسيئة، حيث ثمة شعرة بين الحب غير المشروط، والحب المريض.

 

لذلك، نعم، ببساطة شديدة، يمكننا أن نحب أحدهم ونتركه يرحل لأنه يريد ذلك، أو لأنه لم يعد يشعر بالشغف الكافي، أو لأننا نفتقر للتفاهم، أو ببساطة لأن القلوب تتغير.. وكلما كان إدراكنا لحقيقة الحب واقعيًا، كان الفراق أكثر ألمًا، لكن النضج هو ما يجعلنا نؤمن بأننا سنتخطى الإحساس بالوحدة، سنتخطى الألم الذي يعتصر وجداننا، سنتخطى الحزن، ونحظى بالحب الحقيقي في النهاية، هكذا، حين شاهدت فيلم 500 days of summer الآن وأنا في منتصف العشرينيات تتغير نظرتي كليًا لـ”سامر” بطلة الفيلم. لم أعد أراها المجرمة القاتلة التي مزقت قلب “طوم” إربًا إربًا وصنعت منه مسخًا.

 

كان “طوم” ببساطة متمسكًا حد التعلق المريض بـ”سامر”، لم يكن ليتركها ترحل ظنًا منه أنها الوحيدة القادرة على إسعاده. ربما كانت “سامر” مراوغة بعض الشيء، لكنها من بداية العلاقة كانت واضحة جدًا فيما تريد، وأخبرته بذلك بكل وضوح، لكنه استمر في الإلحاح. أراد المزيد بينما لم يكن لديها ما تقدمه له، وإن كان الأمر يحتمل الخطأ من “سامر” أيضًا، إلا أن الحقيقة هي أن “طوم” أراد ما كان يعرف من البداية أنه ليس له، وأنها لم تحبه يومًا لتمنحه أكثر مما منحته، وحين أرادت أن ترحل، ظل واهمًا أنه قادر بشكل أو بآخر على استعادتها حالما يشرح لها الخطأ غير المبرر الذي فعلته بتركها له.

 

كان يحارب من أجله وحده، لا من أجلهما، وهو ما لا يجعله ضحية، ولا يجعله أقل أنانية منها، فإذا كان يحبها حقًا، لكان تركها ترحل، خصوصًا وهو مدرك تمامًا عدم وجود ذرة من التفاهم بينهما، إلا أنه أصر على إنكار الواقع والتمسك بعلاقة واهية خوفًا من الوحدة، خوفًا من ألا يجد شريكةً أخرى تحبه حقًا.

“We accept the love we think we deserve” – The perks of being a wallflower

رواية ستيڤن تشوبسكي.

 

“نحن نقبل الحب الذي نظن أننا نستحقه”، جملة قالها المؤلف ستيڤن تشوبسكي في روايته الرائعة، تجعلنا -بالتعمق في معناها- نتفهم كليًا المعنى الحقيقي للحب، فإننا فقط نقبل الحب الذي نظن بداخلنا أننا نستحقه، فإن آمنا بداخلنا أننا نستحق ذلك النوع الذي يبذل فيه الجزء كله من أجل الآخر، لينعما فيه بالأمان والدفء والسلام النفسي، ليرى أحدهما الآخر باذلاً ما يستطيع دون إلغاء للذات، تحت ظل من التفاهم والتناغم والحب غير المشروط، نحصل عليه، لكن إن لم نحب أنفسنا بما يكفي، لنؤمن بداخلنا أننا نستحق الفتات، سنحصل عليه. ولذلك قبل “طوم” بالفتات من “سامر”، لكن ليشعر بالرضا عن حالة ضخمة، ليملأ فراغًا عملاقًا في نفسه، وليظن أن هذا هو ما ظل يبحث عنه.

 

فلنؤمن دائمًا أن الحب وحده لا يكفي، وأننا نستحق حقًا أن يكون لنا شريك يفهمنا دون أن نتحدث، بلغات أجسادنا وأعيننا، يستشف أننا نحتاج لأن يضمنا، أو يتركنا نرحل.

 

نحن نقبل الحب الذي نظن أننا نستحقه

 

المقالة السابقةومن الفشل أصنع نجاحًا
المقالة القادمةإحنا اتنين مش واحد
صحفية وكاتبة مصرية.

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا