التحدي الأكبر

394

 

بقلم/ أسماء فراج

دعيني أخبرك يا صديقتي عن الأمومة الحقيقية.. عن ضيف جديد استقبلته في منزلي الصغير، ضيف حاربت كثيرًا كي لا يأتي إلينا، خوفًا أو هروبًا من مسؤوليته؛ ليس من السهل أبدًا أن تكوني مسؤولة عن روح وبدن ونفس، لكنه رغم كل شيء قد جاء إلينا.

 

شمس أشرقت فأضاءت طريقي.. فهل للشمس أن تنجلي؟!

الأمومة ليست كما تبدو.. المسؤولية الخاصة التي تثقل كاهلك، أن يتحكم كائن صغير في حياتك، لا تستطيعين النوم ولا الأكل ولا الاستحمام إلا بإذنه. حتى ما أحببتِه في جسمك يومًا اختفى وسط نموه داخلك، ناهيكِ عن الترفيه كالقراءة والتنزه خارج المنزل. ولو فكرتِ يومًا أن تحضري تجمعًا بسيطًا لتخرجي من براثن الجب العميق، ستجدي نفسك في غرفة منعزلة عن الآخرين، حتى تغذيه من مصنع إيمانك وروحك، ومسؤوليتك تجاهه من أدوية واستحمام ونظافة، وأن لا تتركيه يشعر بالملل، حتى لا يبدأ غناءه الناشز.

 

ومع هذا لا يتوقف عقلك عن المسؤولية العامة. ألهذا الكائن أن يعيش في هذا العالم الكريه الدموي؟ كيف سأحميه من كل هذا الدمار؟ وعلى أي منهج سأربيه؟ هل أعلمه “يمشي جنب الحيط” أم أنبت فيه الثورة والنزال؟ لا أعلم هل سيوقفه ضابط يعتدي عليه يومًا؟ أخاف عليه من كل البشر، من الظلم، من وجع قد يلمس قلبه الصغير. وأكثر ما أخافه أن يأتي يوم أقف فيه عاجزة عن مساعدته، أو أن أعجز حتى أن أخبره ولو كذبًا “متخافش.. كل حاجة هتبقى كويسة إن شاء الله”.

 

أتعلمين؟ فجأة يذوب كل شيء مقابل أن أكون على قدر مسؤولية هبة الله لي.. ليس بيدي إلا أن أحاول بكل ما أوتيت من قوة وأمل. هي نظرة بريئة من عينيه تخبرني أنه لا يفقه شيئًا ولا حول له ولا قوة، فأينما وضعته أجده، لا يفقه ليله من نهاره، ولا يرى إلا فراغه، فهو دائمًا يبكي، ليس جوعًا، بل لاحتياجه أن يشعر بدفئي وملاصقته لي، لأن العالم حوله هو رائحتي ولمستي. فهو حتى لا يفقه ملامح وجهي.

 

يذوب قلقي في أعماق إيماني. وأدعو أن يسخِّر الله له جنده في الأرض والسماء، أصلي أحيانًا لأدعو له فقط، أعمل الخير وأسر في نفسي لعل ينفعه يومًا ما.. أستودعه الله سبحانه الذي لا تضيع ودائعه.

 

الأمومة هي إحساسك بانعدام الذات والوقت، قمة الإحباط والسعادة، فكم بكيت وحدي على حالي معه! وكم دعوت ربي أن يحفظه ويجعلني فخرًا له.. إنها محاولتك الدائمة أن لا تستسلمي لدوامة الحياة وتصبحين شخصًا ما، ودائمًا تحاربي لتقولي ها أنا ذا.. إنه التحدي الأكبر.

 

الأمومة هي إحساسك بانعدام الذات والوقت

 

المقالة السابقةعوِّدت عيني على رؤياك
المقالة القادمةانقلي دفء الخريف لمطبخك بالمكرونة
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا