التحدث بشأن أولوياتك سبيلك للحب السوي

1760

حينما تبدأ أعراض الحب في السيطرة، وتحدث تلك الاندفاعة الكيميائية التي لا نستطيع السيطرة عليها ولا إيقافها، والتي قليلاً ما تخضع تصرفاتنا في ظلها إلى حسابات العقل أو المنطق، نجد حساباتنا تختلف، أولوياتنا تختلف، نودّ فعل أي شيء، ولدينا القدرة على فعل كل شيء، مهما رآه من حولنا خطأ أو ضربًا من الجنون.

 

في هذه المرحلة كثيرًا ما لا ندرك أنها مرحلة مؤقتة، وبعدها حينما تهدأ تلك الاندفاعة الكيميائية سيعود النور للبصر، وستعود الحسابات للعقل. وقتها يكون هناك حب جديد يُحاول أن يتلمس طريقه، ويودّ من يأخذ بيده الضعيفة التي لا زالت طفلة، حب لا يتعلق بالإعجاب والانبهار المبدئي، ولا بالهرمونات التي تُنتجها أدمغتنا. حب هادئ يأتي من رحم الحياة والمشاركة والمعاملة الطيبة، هُنا تأتي أولوياتك وتودّ أن تظهر.

 

تلك الأولويات التي محقتها في مرحلة الاندفاع الأولى، وشعرت أنك تستطيع الاستغناء عنها، وإن كنّا نتحدث هنا عن الحب الطبيعي الذي يكون الطرفان فيه في حالة حب، دون أن يكون واحد منهما مشاعره أقل من الآخر، أو يُعاني من أزمات نفسية يرغب فيها بالسيطرة على الآخر وامتلاكه، ففي حالات كثيرة قد يكون هناك شخص مُصاب بمرض نفسي ما، يجعله راغبًا بالكامل أن يستحوذ على الطرف الآخر، ليس للأمر علاقة بالحب، هو مرض في المقام الأول.

تعرفي على: المزلق الحميمي: ما فوائد المزلق وأضراره وطريقة استخدامه

لكن الطرف الآخر قد ينخدع لفترة من الوقت، ويظهر له المرض بأعراضه وتفاصيله مُرتديًّا زي الحب، قد يقع طرف في حبال طرف آخر نرجسي أو سيكوباتي، وكثيرًا ما يُجيد هؤلاء رسم صورة الحب الوردية التي تجعل الطرف الآخر يقع في شباكهم بمنتهى السهولة، وفي حالة هؤلاء الأشخاص لن يُجدي نفعًا التحدث بشأن الأولويات أو التفهُّم، لأنهم قد لا يرون الطرف الآخر من الأساس، هم فقط -في الأغلب- لا يرون إلا أنفسهم ورغباتهم وأولوياتهم والمكاسب التي سيستطيعون تحقيقها من وراء الشخص الذي يرتبطون به، لا نتحدث هنا عن هذا، بل عن الحب الذي يقف طرفاه على أرض واحدة ثابتة من مشاعرهما، ويكون مُهمًا لدى كل طرف منهما النظر في رغبات الطرف الآخر وتلبية احتياجاته وإعانته على تحقيق أولوياته.

 

في المرحلة التي تلي الاندفاع الكيميائي الأوَّلي لا تكون أنت نفس الشخص الذي يستطيع التضحية بأي شيء وكل شيء، وهنا لكي تستقيم الحياة وينمو الحب الذي لا زال في طوره الأوَّلي ربما كرضيع لم يتمكن من الحبو والتحرك بعد، لا بد من تنسيق صورة الحياة بين الشريكين وترتيب كل منهما لأولوياته وهو يأخذ في كامل حسباته الطرف الآخر.

 

كثير من الفتيات يتعرضن لصدمة بعد الزواج، فلا يجدن ما يحلمن به من الأوقات الرومانسية، والمُعاملة الناعمة، والكلمات الحالمة. فيُصدمن حينما يجدن أنفسهن لا يتحدثن مع أزواجهن إلا قليلاً، أو يُصدمن حينما لا يجدن أنفسهن يسهرن مساءً مع أزواجهن أمام فيلم رومانسي ومشروب ساخن، وتصبح الحياة فجوة كبيرة بين ما كُنَّ يتخيلنه وما أصبحن يحيينه فعلاً.

 

كل ما هُنالك أن الفتاة تظل أولوياتها الحب والمشاعر والرومانسية، أما الزوج فتتحول اهتماماته إلى مزيد من العمل أو كسب المال، وفيما يتعلق بالبيت فقد تكون أولوياته هي الطعام أو العلاقة الحميمة، وهنا يأتي الصدام الذي غالبًا ما لا يحدث في مراحل الحب الأولية، التي وقتها يودّ كل طرف أن يُقدم أي شيء للآخر، حينما يُصبح لكل طرف أولوياته التي يريد تلبيتها وإشباعها، وعندما لا تشترك أولويات الطرفين فتختلف وتتباعد، يصبح الصدام قريبًا والفجوة مُستعدة للاتساع، ويكون كل طرف أقرب لظلم الآخر.

 

نعم.. قد يحدث الظلم أيضًا، يحدث عندما يرى طرف أن ليس من حق الآخر أن تكون له أولوياته الخاصة في مشاعره وأفكاره وحياته، يحدث عندما يرغب طرف من الآخر أن ينسى أولوياته ورغباته ويسحقها وينغمس معه في حياته وأولوياته الشخصية، والتي يضعها معيارًا لبقاء العلاقة وصحتها. يحدث الظلم عندما يفقد أحد الطرفين أو كلاهما قدرته على التنفس ومساحة حرّة شخصية من التحرك يُمكنه أن يكون فيها نفسه لا الصورة التي يودّه شريكه أن يكون عليها.

 

هنا يكون الحب ناضجًا صحيًا أو مريضًا، يكون ناضجًا صحيًا حينما نسمح لأولويات بعضنا بالتنفس والحياة، ونسعى لتلبية احتياجات الطرف الآخر دون تسفيهها، ودون أن نُشعره بتفاهة ما يريده أو أنه بإمكانه أن يتنازل عما يريده هذا، فقط لأنه ليس مُهمًا من وجهة نظرنا، وعلى الطرف الآخر أن يفعل الأمر نفسه تجاهنا، لا يسعى طرف أن يحيا وحده ويحبس الطرف الآخر فقط فيما يسمح له به، وأن يُخضع طرف أفكار الآخر ورغباته وأولوياته لنظرته هو لما هو ضروري أو مهم أو تافه، فقط لأن التافه الجلّي أمام ناظريك، هو أمر هام.. بل هام جدًا لدى شخص آخر.

 

تحقيق كل هذا يحتاج إلى مساحات واسعة من الكلام والتفاهم المُتبادَل، والاستعداد من الطرفين لبعض من التنازل بشيء من الوقت أو الانشغال الذهني أو الاهتمام أو المجهود لتلبية الاحتياجات والمشاركة في الأولويات، وهنا يجد الحب السويّ الناضج أرضًا خصبة وطيبة لينمو ويُزهر.

المقالة السابقةاحذري.. هذه الأفلام بها حب قاتل
المقالة القادمةمن هي رضوى عاشور؟ اقتباسات رضوى عاشور الأدبية
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا