البحث عن اليأس أحيانًا

1001

 

بقلم/ بسمة حسن

 

قبل أن أبدأ في توضيح الفكرة التي أقصدها، لا بد أن تعرف عزيزي القارئ أن هذا المقال ليس دعوة لليأس، بل على العكس تمامًا، فهو وجه العملة الآخر للأمل. قد يبدو الأمر غير منطقي للوهلة الأولى، ولكن دعني أوضح لك وجهة نظري..

 

تخيل معي أنك تسير في صحراء بمفردك تحت أشعة الشمس في يوم قائظ شديد الحرارة، وبعد أن قطعت مسافة طويلة من السير، عثرت بعد انتظار طويل على شجرة ارتميت تحت أوراقها محتميًا بظلها.

نعم، لقد تركت الشمس وما تمنحه لك من نورها، وتوقفت عن السير في الصحراء، وهو الشعور الذي منحك الحرية، ولكنك تعبت من السير طويلاً، ورضيت قانعًا بظل ظليل منحته لك شجرة وسط الصحراء.

 

في لحظة ما قد يصبح هذا فقط هو ما نبحث عنه، ألا نشغل بالنا بما ينتظرنا، وما يخبئه لنا الغد، وتخبئه لنا الأقدار، وألا نضع أملنا على أشياء كبيرة في عدم تحققها موت لنا، فاليأس هنا -على عكس ما نظن- هو وجه آخر للأمل، وجه آخر للدفاع عن الحياة.

 

الموسيقار محمد عبد الوهاب في إحدى أغانيه قال: “لا أمل يفرحني ولا يأس يريحني”، فهل يمكن أن يكون اليأس مريحًا كما رأى كاتب الكلمات؟ نعم، أحيانًا، فعلى الرغم من فرحة تحقق الأمل، فإنه على الجانب الآخر انتظار أمل لا يتحقق فعل قاتل.

 

ألم تسمع الشاعر محمود درويش، حينما قال: “هل بوسعي أن أختار أحلامي، لئلا أحلم بما لا يتحقق؟”؟ نعم، فالأمل والأحلام تقتلنا إن لم تتحقق، وتكمن المشكلة هنا في الطبيعة البشرية التي تدفعنا لعدم الاكتفاء بالحلم والأمل، حيث يأخذنا الخيال بعيدًا بعيدًا عن الواقع، فنحلم كثيرًا بما لا يحدث، ونشتهي كثيرًا من الأمنيات التي لا تتحقق، وهنا تحدث الكارثة، إذ تتحطم الآمال على صخرة الواقع، أو كما قالت أم كلثوم: “وبأملي بعيش ولو إنه ضيَّعلي سنين”، وتصبح في النهاية “خيبة الأمل راكبة جمل” كما يقولون في المثل.

 

الأمر ليس مزحة، ولأن الجميع ليسوا بالقوة والوعي نفسه الذي يجعلهم يتخطون الأمر بسهولة، فإن انكسار الأمل لدى البعض قد يدمر حياتهم بالفعل، ويقلبها رأسًا على عقب، ويقلل عزيمتهم، ويؤذي نفوسهم، ويتركهم عرضة لليأس والاكتئاب بحق.

 

جاء على لسان مورجان فريمان أحد أبطال الفيلم العظيم “الخلاص من شاوشانك”، وبالمناسبة هذا الفيلم يعد درسًا في الأمل وتصديقه والسعي لتحقيقه، جملة في بداية الفيلم قال فيها: “الأمل شيء خطير.. الأمل قد يقود الإنسان إلى الجنون”.

 

نعم، فالأمل رغم أهميته، لا بد أن يُنسى. حدد آمالك وأمنياتك وأحلامك واسعَ لها، ولكن لا تتوقع شيئًا حتى لا تسقط في فخ الإحباط الذي قد يصيبك مع عدم تحققها، فتكون النتيجة أن تقع فريسة لليأس في انتظار ما لا يتحقق وغد قد لا يأتي، وعندها قد يقودك بالفعل الاستمرار في انتظار تحقيق الأمل إلى الجنون.

 

هل بوسعي أن أختار أحلامي، لئلا أحلم بما لا يتحقق؟

 

المقالة السابقة10 هدايا ممكن تشتريها للراجل في آخر لحظة
المقالة القادمةالخوف من الزواج: عندما نحتاج الحب ونخشاه
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا