الأمومة مش سهلة بس مستاهلة

1815

على عكس معظم البنات وقوانين الطبيعة المتعارف عليها، عمري ما اتمنيت أكون أم، أو يبقى عندى عروسة ألعب بيها. وتقول الأسطورة إن كان عندي عروسة بتقول بابا وماما، وأنا بمنتهى الغشومية -أو يمكن اللا مبالاة- قررت أحَمِّيها فباظت.

 

وفجأة وأنا بنت 12 سنة كل صديقاتي قرروا يلعبوا بالعرايس. وقتها اكتشفت إن معنديش أي عروسة! ولمَّا اشتكيت لوالدتي كانت النتيجة عروسة هدية، واللي كانت السبب في اكتشافي المبكر إني غير كل البنات، ولا تستهويني فكرة الأمومة على الإطلاق! 

 

عدم رغبتي ف إني أكون أم كان له أسباب كتير، مش مجال ذكرها دلوقتي، وفضـل ده موقفي لحد ما اتجوزت، ووقتها وقعت فريسة بين فكرتين “مخلفش أبدًا ولا أؤجل وأشوف الدنيا هتاخدني لفين؟”.

 

طبعًا الكل كان فاكر إن رأيي هيتغير بمجرد الجواز وهتصيبني “متلازمة الأمومة”، لكن محصلش. بس ده ميمنعش إن مع سنين الجواز زَهَّرت جوايا مشاعر الأمومة شوية بشوية، وبعد 3 سنين حسيت إني خلاص بقيت مستعدة، ورغم كل تخوفاتي إن مشاعر الأمومة عندي -باعتبارها مكانتش من أولوياتي- تبقى ناقصة إيد ولا رجل، إلا إن اللي حصل كان مُدهش زي ما يكون فيضان أمومي غرَّق كل حاجة جوايا وحواليّ، فيضان خلاني أكتشف إن بذرة الأمومة موجودة جوانا بس مستنيانا نحصدها في الوقت المناسب مش أكتر.

 

خلاص بقيت أم، وهنا بدأت المأساااااااة.. الأمومة طلعت -رغم مميزاتها- زي قتب على قلبك عمره ما بيروح، إذ يبدو إن الطفل أثناء الولادة مبيسيبش أمه بالساهل، لأ ده بياخد معاه حتة من قلبها بتتوهِبله للأبد، ويمكن ده سبب ظهور مصطلح “قلب الأم” اللي السبب في حنيته المفرطة هو الديفوه ده مش أكتر. 

 

وده برضو التفسير المنطقي للسعادة اللي بتحسها الأم لمجرد إن فيه ابتسامة على وش طفلها، أو الوجع والمرارة اللي بتصيبها لما طفلها يبكي أو يتعب ومتعرفش تعمله حاجه أو تساعده فعلًا، بس النتيجة هتتأخر شوية، والألم ده بيكون بالمناسبة أكبر من أي وجع ممكن تحسه لو هي نفسها اللي تعبانة، وهي دي المأساة! 

 

تخيّل لو ليك نقطة ضعف خارجة عن إرادتك، وبيطوّحها القدر يمين وشمال، ومع كل حركة معملتش حسابها بتصيبك نغزة ف قلبك اللي بقى قُدامك ماشي على قدمين، نغزة ملهاش علاج غير الصبر .

 

“الأمومة مش سهلة.. بس مستاهلة” جملة انتشرت مؤخرًا في حملة إعلانية لمنتج ما، وعلى أد الجملة ما تبان بسيطة وسلسة وحقيقية على أد ما هي مستفزة.. أصل وبعدين يعني؟!

ما أنا ممكن أقولك الأمومة حب وحضن دافي بجد، بس مسؤولية أبدية وشغل 24 ساعة. من أحلى 3 حاجات في الدنيا، بس مُرهِقة. بتغير حياتنا للأفضل، بس بييجي معاها اكتئاب ولخبطة هرمونات بيودوا في داهية. ضحك ولعب وبوس ف الهوا، بس مصحوبة بـزَن وسهر ووجع قلب.

إيه الجديد بقى؟

أو على رأى حزلئوم: “أعمل إيه يعني؟ أرجوك قولي حاجة مفيدة!”.

 

حد يقولنا: الأم إزاي تتغلب على شعورها بالوجع لما طفلها يتعب أو يرَجَّع أو حتى نفسه تبقى مسدودة عن الأكل؟ وتعمل إيه لما أولادها يقعوا ويتخبطوا -زي ما كل العيال بتقع- فتحس بالتقصير وتقول يمكن مكانش هيحصل كده لو أخدت بالها؟ والسؤال الأهم: إزاي متحسش تجاه أولادها لما تقرا عن حوادث التحرش والاغتصاب والموت اللي بقى في كل حتة، بالذنب الرهيب لأنها تشبثت برغبتها في الأمومة، وافتكرت إن اللي بيحصل للناس التانيين مش هيحصل لأولادها، أو إنها قادرة تحميهم وتحَصَّنهم من البلا الأزرق والعفن اللي مالي المجتمع من أوله لآخره؟

 

آسفة لأن معنديش إجابات للأسئلة دي، واللي بسألها زيكم بالظبط، ويمكن كمان بعاني منها لدرجة الألم الجسدي أحيانًا، مش النفسي بس. أيوة كلمة لو مش هتعمل حاجة، أيوة الحذر لا يمنع القدر، وأيوة فكرة التقصير قد تكون جُزافية، بس ما إحنا قولنا “قلب الأم”، عشان كده يا ريت اللي عنده إجابة تريح البال ميبخلش علينا بيها. ولحد ما نلاقي جواب هيفضل كل اللي نقدر عليه إننا ندعي ربنا يسترها مع أولادنا، وينزل السَكينة على قلوبنا، والأهم يكفينا شر الجَذَع. 

رسالة: لكل أم جديدة اكتشفت إن الأمومة سرسبتها على غفلة وخلّت العالم في نظرها مَطلي بطبقة من الرومانسية الحزينة والهشاشة المفرطة، وده لَـغّم حياتها بالخوف والقلق المستمر.. اطّمني إنتي بني آدم طبيعي ومش لوحدِك، إنتي بس محتاجة يقين بأن الجاي مع الحب والمعافرة وحُسن الظن بالله ممكن أوي يكون أحسن.. أيوة ممكن.

المقالة السابقةأنا في أعين الآخرين
المقالة القادمةالمرايا: ماري الدموية وأساطير أخرى
امرأة ثلاثينية متقلبة المزاج، أعشق الرقص على السطور كتابةً، أُحب الفن بمختلف أنواعه وأعيش عليه. والآن كبرت وصار عليّ أن ألعب في الحياة عشرات الأدوار طوال الوقت، لأستيقظ كل صباح أُعافر حتى أستطيع أن أُحاكي بهلوانات السيرك فأرمي الكُرات المُلونة بالهواء ثم ألتقطها كلها في آنٍ واحد.

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا