اصمدي

650

 

بقلم/ مريم سليم

أعرف أن الأمر مؤلم للغاية.
فمُحكم هو أمر الفراق على القلب كخاتم من حديد يعتصر ويتلف.

أعرف كيف يبدو أن ينقطع الوصال فجأة.

 

تلك اللحظة في ذلك المشهد التي تدركين فيها أن القصة تنتهي، فلا مزيد من الفرص.
وأن من كنت تزعمين بأنك ليلاه قرر أنه لم يعد مجنونًا بك بعد الآن..
فأنهي قصيدته وانصرف.

تاركًا إياكِ تزعمين بأنك المنقطعة السبل في منتصف صحراء قد ملأت سماءها الغيوم وحيدة مصدومة.
أعرف كيف يبدو الأمر تمامًا صدقيني.
أن تسلمي قلبك الأخضر بين يدي رجل فيرده لكفيكِ الرقيقتين منقسمًا.
ولأنني أعرف ما تمرين به، أعطيني فرصة لأخبرك الحقيقة كاملة!

 

فتجربة كتلك كفيلة بأن تفقدك التوازن قليلاً فلست بقادرة أن تري بنصف عين..

إلا الوجه الأسوأ فقط في المرآة.
ولكن كلنا هنا معك.. خلفك وبجانبك. لنشد من أزرك ونشاركك في أمرك.
ففتحي بحق جمال روحك عينيك كاملاً.

واستخدمي حقك في الصراخ عاليًا.

اعترضي.. احتجي.. وثوري..
وابكي.. اضربي الأرض بقدميك ثم اهدئي وانظري للعالم حولك.

 

ما زال العالم مستمرًا، أليس كذلك؟!
ليس بنظرتك السابقة له بالفعل..
لكنه لم يستحل غيمًا ولا لونت زواياه بذلك اللون الرمادي المرعب الذي ترينه.
كل الأمر من داخلك.

فالتغير في روحك ونظرتكِ التي ازدادت نضجًا.
وقلبكِ الذي ازداد بخيبة الأمل نبضًا أهدى إليكِ بكل حب خلاصة التجربة والاعتبار مما مضى في عصارة نقية من الألم، ستحتفظي بآثارها للأبد.
إلا أنك ترفضين أن تري إلا الجانب الأسوأ المؤلم بهتانه من القصة.

إذن فلنتفق أولاً أن الألم نقاء يطهرنا.
وأنه ما زال العالم مستمرًا على كل حال بكامل جماله ونقصه.
وأنك يا صبية جزء من جماله.
انظري إلى نفسك في المرآة الآن وابتسمي، ثم تأملي ابتسامتك الساحرة، وإلى تلك العينين المشرقتين وتلك الانعكاسات الرائعة للضوء على وجنتيك وجبينك.

 

أنت جميلة.
وأنا أجزم أن كل تفاصيلك الرائعة تختبئ خلفها روح طموحة وعقل متقد ونفس قادرة.
وأن ما قد مضى من العمر قد اندثر، فلم يعد له أي وجود فعليًا وعلمًا.
انتهى الأمر وكأنه لم يكن.
فانطلقي لتنجحي وتحققي أحلامك، اسعي إلى إثبات مكانتك في الحياة، اركضي في شوارع المدينة مطاردة أحلامك حتى تحصلين عليها كاملة.
ربما كان الأمر إشارة لك لتنهي من حياتك صفحة باهتة. مزقيها واتركيها للرياح متسامحة مع ما مضى تمضي كأوراق الخريف الباهتة اللون والقيمة.

تدركين من البداية أن الأمر لم يكن ليتم بأفضل وجه كما أحببتِ أن يكون.
كنت تدركين قطعة البازل المفقودة كما كنت تدركين أن قطعة البازل تلك هي أنك تستحقين الأفضل، لكنك كنت تتجاهلين الأمر.
كنت تدركين أن ما يفسد الصورة التي تجمعكما على الجدار وينقص من مثاليتها وجوده هو نفسه.
ولكنكِ كنت تنكرين الأمر ربما خوفًا ووهمًا.
ربما لم يكن وجوده إلا إشارة توقظ كل روحك لمعني حياتك.
وما يجب أن تكون عليه.

وما تريدنه أنت منها وأن القيمة لوجودك أكبر.
ربما قاتلتِ لتحافظي على وجودكما معًا، ولكنه إن كان حبًا ذلك الذي جمعكما يومًا لم يكن لينتهي بالتخلي وبإيلامك.

 

فالحب يعني اثنين متكاملين، يحيان مرتين، ويضحكان مرتين.
يفقدان عقليهما معًا، ويصرخان معًا.
حتى حين يمرضان ويظهر قبحهما سيكونان معًا.
وعندما يكبران ويمتحنان ضعفهما سيكونا معًا.
حتي عندما يغضبان سيلجأ كل منهما ليختبئ في روح الآخر، ليحزنا معًا.

 

ولأن الحب لا يصحبه ألم، أو وهم أو ندم.
ليس عليكِ أبدًا أن تحزني لحب وضعك في أسوأ حالاتك.

فنحن نحب لينهض بنا الحب يا عزيزتي لا لتنطفئ أنوارنا.

أعدك أنه لم يكن رحيله وقلبك منقسمًا في يديك إلا إشارة أخرى من الله لتلتفتي إلى قلبك ذلك جيدًا.
فربما عليكِ أن تعيدي تركيب أجزائه بالطريقة الصحيحة مرة أخرى لينظبط إيقاعه.
فيبدأ العمر فعلاً بمعناه الصحيح ولونه الحقيقي.

 

ثم سيأتي من يحن إلى وجودك دائمًا وتكونين في قلبه كالعروة الوثقى.

وسيتمسك حتى يكون تنفسه بك.
ستكون تلك القصة مثالية تمامًا وستنتهي بالإشراق لتدركي وقتها أن ما مضى قبله لم يكن إلا فجرًا كاذبًا.

وأنه لما كانت حياة ما لم تعالجي ما تمرين به الآن.
فهل أدركت الحقيقة إذن؟
فلا أنت وحيدة ولا منقطعة السبل.
أنت فقط تتلقين درسًا قاسيًا.
ولا تحمل السماء فوقك يا صبية إلا صيبًا نافعًا ستشرق بعده الشمس على قلبك للأبد.

لكن الآن أنت تدركين مقدار قوتك.. فاصمدي.
اتركي الأمر معلقًا على ساعة يديك أو مكتبك.
فالوقت وحده قادر على شفائك، سيتقدم بك إلى الأمام، سينقلك من كون إلى كون باستمرار وكأن شيئًا لم يكن.

 

 

المقالة السابقةروح للناس يا حب
المقالة القادمةأهداني الحب ثلاثة رجالٍ ولم يهدني أحدهم الحب
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا