إلى ماجي

1070

 

بقلم/ هند عزت

 

اليوم قررت أن أطلق صرخة مدوية طال كتمانها في صدري قرابة العام. آن الأوان أن أطلق لحزني العنان وأن لا أتظاهر أنني بخير.

 

أكتب إليكِ يا صديقتي وأنا لا أكبح دموعي كعادتي، بل أحررها كي أتحرر من عبء يثقل صدري، فأعجز أحيانًا عن التنفس بسببه. أنا ضائعة منذ فقدك، لا أعرف كيف أمرر الوقت والأيام، وحاولت جاهدة أن أتجاهل ألمي وأتعامل معه داخليًا دون البوح به على الملأ، فالكتمان والخصوصية جزء من شخصيتي التي لا تستطيع مشاركة مشاعرها مع البشر. ولا أعلم ما الذي تغير بداخلي اليوم، ولا أكترث حتى للسبب، يكفي أنني قررت أن أكف عن التظاهر بالقوة والثبات وأنني بخير، كي لا أثقل على المقربين مني وأحملهم طاقة ألم مبرح تؤثر على أعصابهم أو تدفعهم للقلق عليَّ.

 

أختي ورفيقة دربي “ماجي”.. أحبك حبًا لا يؤثر به البعد والمسافات، فوجودك في السماء لم يغير من حقيقة أنك أقرب الناس إليَّ وأني بدونك خاوية، منذ العام المنصرم وأنا لا أجد من أهاتفه عند وقوع شيء سار أو حتى مؤسف. لا أجد من يكمل كلماتي قبل نطقها، أو يضحك من نكاتي لثقل ظلي أو إحدى مصائبي الكوميدية على حد قولك.

 

لا أعلم كيف نقضتِ وعدك بالبقاء لتربية أطفالي مع أطفالك، وأن نصبح عجوزتين ملولتين نجلس في صمت نلعب الطاولة كما عهدنا. ضحكتك ما زالت تملأ أذني وصورتك الجميلة لا تفارق عيني، فلا أذكر حتى ملامحك التي أضناها المرض اللعين، أذكرك دائمًا حلوة رقيقة باسمة، كعهدي بكِ، وذكية وقوية وصبورة. كنتِ ملهمتي ولا زلتِ، وكلما أحرزت تقدمًا أو نجاحًا أجد يدكِ في ظهري تساندني وصوتك يوجه لي النصيحة السديدة.

 

أذكر كل جلسة من جلساتنا اليومية، نتشارك بإعداد الطعام والأحاديث المسلية، والتخطيط لخروجات لا ننفذها، فكلما شرعنا في الخروج للعالم الخارجي يغلبنا الملل ونُفضِّل قضاء الوقت في المنزل في هدوء، فكنا على وفاق حتى في صمتنا لساعات أحيانًا، فنحن نألف بعضنا بعضًا ولا نحتاج لأحاديث مرسلة للبقاء معًا.

 

ويا ويلي! أذكر أخر مكالمة لكِ قبل أن تغيبي عن الوعي، وكل كلمة خرجت من ألمك ذبحتني، فلم أستطِع التماسك أمامك والتظاهر بالقوة وأن كل شيء على ما يرام، وأذكر إفاقتك القصيرة لثوانٍ لاحتضاني قبل أن تغيبي عن العالم مرة أخيرة.

 

أعرف أنني فقدت أختي التي لم أحظ بها من صلة الدم في الحقيقة، وأعرف أنني لم أستطِع مشاركة ألمي لوقت طويل، حتى بِتُّ أتجاهله، لكن دقات الألم تعصف بصدري ولا أطيق أن أكتمه، ولماذا أكتم حزني عليكِ وأنا أعلم أن في هذا هلاكي؟!

 

لا أريد أن أتسبب بالألم لأحد بكلامي، لكن أريد أن أساهم بشيء لأساعد نفسي والآخرين على اجتياز أحزانهم، وأعلمهم أن مشاركة الحزن وإظهاره هامَّان لنا كبشر، ومؤازرتنا بعضنا لبعض في هذه الأوقات هامة جدًا، حتى نستطيع التعايش مع الفقد. وأن صداقة البنات ليست كارثة كما يراها البعض، بالعكس، فنحن نتشارك كل شيء ونساند بعضنا في اجتياز المِحَن وننشر السعادة في حياة بعضنا بطريقة عفوية لا نقوى على الإكمال بدونها.

 

لا أعلم كيف سأكمل طريقي بدون رفيقة دربي وتوأم روحي، لكن صلابتك كانت ملهمة لي كالعادة، فأضعك أمام عيني كلما اشتدت أوقاتي وهبت الرياح على سفني، وأقرر أن أكمل ما بدأته، وأنتِ بداخلي طوال الوقت، حتى صغاري لا ينامون ليلة دون وضع قبلة على صورتك وقول “أنا أحب ماجي.. هي أخت مامي”، بتعبيرات بسيطة تليق ببراءتهم، لكنها تسكب بلسمًا لدقائق على روحي، لمجرد تخليد ذكراكِ يا رفيقتي.

 

إليكِ “ماجي” الرثاء الذي لم أقوَ على كتابته وقت رحيلك، فدائمًا يختار الله أنقانا وأكثرنا روعة كي يريحه من عذابات العالم، ويريحه بجواره، فطالما كنتِ الأروع والأعذب، فكنت أرى من خلال روحك عالمًا مختلفًا عن الشر الذي يدور في الخارج.

 

فلترقدي بسلام يا رفيقتي.. فأنا أعلم أن الله عز وجل سيجمعنا معًا مرة أخرى، لن نفترق بعدها أبدًا، وحتى هذا الحين لن ينقطع دعائي لكِ ولا أحاديثي عنكِ ما حييت.

لا أعلم كيف نقضتِ وعدك بالبقاء لتربية أطفالي مع أطفالك

 

المقالة السابقةقرر الرحيل دون أن يخبرني
المقالة القادمةمحاولة أخيرة لإجابة سؤال مهزوم
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا