عزيزي الله.. أرجو أن تسامحني إن بدت مني لغة غير مناسبة في الحديث، فما أنا إلا بشر، أعلم أنك قد تغفر لي تلك اللغة، فأنت بنا رحيم، ولكن من خلقتهم لن يغفروا لى أبدًا، بل قد أتعرض لأقصى أنواع العقاب بعد أن وضعوا أنفسهم مكانك، فيحاسبون الناس بدلاً منك.
***
أفتفدك، أفتقد ذلك النور بداخلي الذي كان يضيء لي الطريق، الذي كنت أرى به جمال من حولي من أشخاص وحكايات، بل وحياة، أرى إشاراتك لي كل فترة، ولكن هل تعلم يا ربي أني صرت أخاف عندما أراها؟ فإن عملت بها أتعرض للوم ممن حولي، وإذا تجاهلتها أعلم أنك لن تكون راضيًا عني.
نعم أتعرض للوم إذا عملت بتلك الإشارات يا ربي، يتم وصفي بأنني مثالية حمقاء لا تعلم عن الحياة شيئًا، يسخرون مني بأنني رومانسية حالمة، طيبة لا أناسب هذا العالم وعليّ أن أستفيق من غفوتي، فأبكي بداخلي وأبكي ليلاً وحدي، فلا يؤانسني أحد سوى وسادتي، فقد شوهوا لي طريقي الذي اعتدته، وكسروا بداخلي شيئًا ما.
***
أكتب إليك لأخبرك، لأنني أعلم أنك ستسمعني وتفهمني، لا أريد أن أكون الفتاة الواقعية التي تعرف كيف تحقق مكاسب في الحياة كما يريدون، بل أريد تلك الفتاة التي تستيقظ صباحًا ضاحكة بطفولة وبراءة لترى جمال آخر صنعته في خلقك، لتستمع بفهم حكمة خفية وضعتها أمامها في رحلتها في الحياة، فترضى ويرضى قلبها الصغير.
***
أسألك القوة، فأنا بحاجة إليها حقًا، فقد سئمت من ادعاء القوة يوميًا، لقد خلقتنا بذلك الضعف داخلنا الذي يميزنا كبشر، وأنا مثل جميع خلقك، بداخلي هذا الضعف الهائل المر، الذي يظهر في تفاصيلي الصغيرة، ولكن عليّ أن أخفيه، فأنا أم وأنا زوجة، وأنا ابنة، وأخت وصديقة، وسيدة عاملة، وفي كل دور من تلك الأدوار يجب أن يكون لديّ من القوة والجَلَد ما يوازي حجم السماء والأرض، فلا دمع ولا بكاء ولا حزن، فقط ابتسامة واهنة، وشكواي أصرخ بها داخل صدري فقط، فلا يسمعها أحد سواي، أما انكساراتي فأحفر حفرة داخل قلبي وأدفنها فيها فلا يراها أحد، حتى المرض عليّ ألا أتركه يتمكن من ذاك الجسد الواهن، تخبرني بذلك أمي وأكثر من صديقة، فأنا الآن إنسانة ناضجة، وتعتمد عليّ أسرة وطفل صغير فلا يجوز لي أن أبدو ضعيفة أبدًا.
***
أسألك القوة حقًا وبجانبها الصبر يا الله، فعليّ أن أكون امرأة خارقة بحسبهم، وأنا في النهاية ما زال بداخلي فتاة صغيرة قلبها ينضج على مهل، فتاة تحب الركض واللعب تبكي حتى تدمي عيناها وتضحك بصخب، لا ترى في العالم سوى أنه كون خلقته لنا لنسعد وننطلق في مغامرة شرطها الوحيد رضاك عنا.
***
أسألك القدرة على الحلم، نعم يا قدير، فأنت تعلم كم من كسروا أحلامي، من أخبروني بتلك الكلمة التي أكرهها وأكره قائلها بعدها، "لن تقدري"، نعم يا ربي أنت بالتأكيد تعلم وترى كم سدوا الطرق في وجهي، كم رفضوا تشجيعي، كم قرروا أن يكونوا حجر عثرة في طريقي لا حائطًا أستند إليه، لم يتركوا حجرًا للإحباط إلا وقذفت به، أخبروني أنه لا مكان للحلم بيننا، وعليَّ أن أتوقف عن المحاولة.
فيا رب، ها أنا أعود إليك مرة أخرى، أسألك الحلم والقدرة على تحقيقه، أسألك الشغف والرغبة في اللهاث وراءه، والطموح بعدم التوقف إلا وقد بلغت تلك الأحلام، والإيمان بأن العالم لا حدود له، ولا حدود لقدرتنا وطاقتنا فيه.
***
وأخيرًا.. أسالك القدرة على مسامحة هؤلاء، من حاولوا قطع الرجاء بيني وبينك، من قالوا لي "لا أمل"، من افتروا عليك كذبًا فأخبروني أنك لم تخلقنا لتحقيق أحلامنا، لم تخلقنا لنرى جمالك وجمال خلقك في الكون، بل فقط لنشقى.
وفي الحقيقة لم تخلق لنا سوى السعادة، ولكن لا يراها سوى من وصفهم نجيب محفوظ: "من يخوضون الحياة ببراءة اﻷطفال وطموح الملائكة".