إعلانات رمضان: ومات المشاهدون جميعًا

325

في عالم الإعلانات.. كل شيء متاح! هكذا هي قواعد اللعبة داخل بلورة الوكالة الإعلانية الكبرى على طريقة "هنعبي الهوا في أزايز"..
أن يجلس أحدهم متحمسًا لفكرة تزيد مبيعات شركة ما وتساهم في التعاطف مع جهة أخرى.. أن يذهب ليلوّن صوته وأدواته وفقًا لما
يريده الزبون، ويضيف الشطة والفلفل لتصبح فكرة جهنمية، بينما عقلية المشاهد "طُز"!

كان مقبولًا فيما مضي أن تسوق لسلعة لا تسمن ولا تغني من جوع، لكن ما هو مبرر صانعي الإعلانات يا تُرى هذا العام في التسويق
لفكرة "إحنا فوق وإنتو تحت"؟!

تحديدًا في شهر رمضان، تُسلسل الشياطين لتحاصرك الإعلانات، في الشارع، الراديو، المواصلات، العمل، التليفزيون، الإنترنت، وربما
فتحت حنفية الماء لينزل لك إعلان من هنا أو هناك.
هل شاهدت هذا الإعلان السخيف اليوم؟ للمفاجأة هذه تسمى كوميديا وإبداع في عالمهم!

تخيل معي عزيزي المشاهد عملية "البسترة" التي تحدث لك بعد إعلانات الكومباوند الفاخر الذي يمنع عنك صخب العامة والغوغاء من
أهل بلدك، لإعلانات المرضى والجوعى والمحتاجين! تخيلت؟ تبسترت؟ أم تنحست عزيزي المشاهد وغيرت القناة؟

يسعدني أن أخبرك أنه حتى في حالة ذهابك إلى هذا السجن الفاخر -آسفة- أقصد الكومباوند المحصّن عن وحوش الخارج، فإنك حتمًا
ستخرج في يوم وتقابلهم أيضًا، ولكنهم هذه المرّة سيتحولون إلى شخصية من شخصيات صانعي الإعلانات، وإنت وحظك أي
الشخصيات سيخلقونها لهم العام المقبل.
أخبرني الآن.. إلى من ستذهب أموالك؟ للاستثمار في كبرى شركات العقارات؟ أم للصدقة الجارية في الأسرّة والمستشفيات؟

"اللي مش عاجبه يغيّر القناة".. الجُملة الأشهر والأسهل لمُبدعي الخـ… الخراب على القنوات الفضائية، ولكنهم نسيوا أنّ إعلاناتهم تغير
المشاهد نفسه.

"في شارع ما بعد تناول وجبة الإفطار مع العائلة ذهب الطفل ليلقي ببقية الطعام (التيك أواي) بجانب سلة المهملات وليس بداخلها،
مبرره أنّه كما شاهد في إعلان ما سيأتي شخص محتاج ويأخذ هذه الوجبة، هو يظن أنّه فعل الخير كطفل، صدرّت له الإعلانات أنّ هذا
هو المكان الطبيعي والمناسب لحاجة المحتاجين".

"في منزل آخر أسرة تتمنى أن تتحول إلى الجرين هالك لتأخذ حقها في العمارة والشارع من الجيران الفوضويين، وبدلًا من الاكتفاء
بالتمني، يقلد أفراد الأسرة الإعلان بالمللّي في الصوت العالي والانحطاط".

"أن يتحول الفيسبوك إلى كشك حاجة ساقعة لمنتج نَحت فكرة إعلانه من الأفلام الأجنبية ليبيع أكثر بأسعار زمان -اللي هي أسعار
السنة اللي فاتت يعني- فمعناه أننا مغفلون.. جميعنا لا أستثني أحدًا".

هل تعلم عزيزي صانع الإعلان الشهير أنّ الفلاح لا يرتدي حذاء سبور في الحقل، وأنّ العامل لا يرقص فرحًا أثناء وردية العمل
بالمصنع؟ هل تعلم أن معظم الشخصيات التي ظهرت في الإعلان لا يوجد لديها حسابات بنكّية من الأساس! وإنّ اللي جاي على أدّ اللي
رايح.

هل تعلم أنّك تدمر عقلية جيل بالكامل؟ جيل من الأطفال سيكبر مفهومه عن العطف والإحسان هو بضع الجنيهات في حساب بنكي، بينما
يحاول أن يتخلص سريعًا من ضوضاء العشوائيات ليصل الكومباوند بأمان ويعود إلى طبيعته الإنسانية؟

هل تعلم أنّك توقظ الجشع والأنانية والدونية والطبقية في نفوس البعض، في مقابل الحقد والحسد والتبطر في نفوس البعض الآخر؟ وحدّث
ولا حرج عن سبوبة الشحاتة، يسعدني أنّ أخبرك أننا كمصريين أساتذة في هذه السبوبة.

أن تدّعي الإبداع مرتديًا عباءة الساحر الملعون وتنتج وتجني أموالًا هذا شأنك أنت عزيزي صانع الإعلانات، لكن أن تُفسد نفوسًا على
بُعد خطوة من الهاوية وتُزيد الواقع المشوّه تشويهًا وقبحًا.. هذا شأننا نحن المشاهدين.

حسنًا.. لملموا أدواتكم جيدًا، احشدوا أفكاركم الطبقية الغبية، اصنعوا حملة إعلانية بالملايين، ادخلوا البيوت بلا استئذان 24 ساعة
وضعوا بصمتكم على كل جيل.. فقط تذكروا جيدًا أنّه حين ينقلب السحر على الساحر ستتحول شاشة المجتمع بأكمله إلى التشويش.

المقالة السابقةألف حكاية وحكاية
المقالة القادمةنقطة تحول
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا