إزاي تتعافي من ألم الختان؟

1847

الخوف.. الغضب.. الغدر.. النقص.. الخزي.. الخجل… هي بعض المشاعر اللي ممكن تحسها البنت اللي اتعرضت للختان، ولها كل الحق. لما أهلها اللي بتثق فيهم وبتعتبرهم مصدر الأمان يجيبوا حد يقطع حتة من جسمها، لأ وكمان يعملوا حفلة وييجوا الناس يدوها النقوط! مشهد بشع وغريب يخلو من المنطق!

 

اللي بيحصل ده كبير جدًا على أي بنت بتتعرض له خاصة لو كانت طفلة، لا تعرف تتكلم عن مشاعرها ولا تروح تتعالج نفسيًا، بس مضطرة تعيش. طب تكمل إزاي بكل الألم ده وكل المشاعر التقيلة دي؟ إزاي تكره أهلها؟ مش المفروض هم مصدر الأمان والحب؟ إزاي ممكن تثق في حد وتعمل معاه علاقة بعد ما أقرب الناس ليها غدروا بيها؟

 

مشاعر ملخبطة وأفكار مشوشة. البنت ساعتها -وأي طفل اتعرض لإساءة من أي نوع- بتلجأ لحاجة اسمها الحيل النفسية الدفاعية. يعني إيه؟ يعني البنت بتحاول تلاقي طرق تحمي بيها نفسها من المشاعر دي وتتعايش معاها، زي مثلاً إنها تكبت مشاعرها وتنكرها وتتصرف كأنها غير موجودة، وتوهم نفسها إنها سامحت أهلها، أو تبررلهم فعلتهم، أو توهم نفسها إنها مقتنعة باللي عملوه من كتر ما هي مش قادرة تصدق إنهم عملوا فيها حاجة بالبشاعة دي، أو تتبنى موقفهم وتكرر نفس اللي عملوه فيها مع بناتها، أو تحاول تقنع اللي عندهم بنات يختنوهم، وزي إنها تقرب من أهلها بشكل مرضي فيه اعتمادية، أو تنفر منهم بشكل مرضي برضو… إلخ.

 

في كل اللي الحيل دي، هي لم تتعامل مع مشاعرها بشكل حقيقي، فتفضل تترسخ مع الزمن، لكن لأنها مدفونة بعمق جواها فبيهيأ لها إنها اختفت، ثم تفاجأ إنها لسة موجودة، بتفرض سطوتها عليها وبتحركها. الحيل دي بتخليها تعيش، مش تحيا، عايشة بس مش بكامل طاقتها، عايشة وهي مموتة جزء فيها. الميكانيزمات دي كانت مقبولة وهي طفلة لا حول لها ولا قوة، لكن لو فضلت مكملة كده بعد ما كبرت هتتعطل وهتخسر كتير.

 

وعشان كده البنت محتاجة تطلَّع المشاعر دي، وتواجهها، وتواجه أفكارها.. وده مؤلم جدًا لدرجة إنه مغري جدًا تميل لبقاء الوضع كما هو عليه. هيساعدها جدًا لو عملت ده في وسط آمن، في جلسة علاج فردية أو مجموعة علاجية، حد يحس بيها ويقبل مشاعرها من غير ما يلومها ويسمَّعها جمل من نوعية: “دول أهلك ومينفعش تقولي عليهم كده، ولازم تفضلي تحبيهم مهما عملوا، أو لازم تبقي قوية، إنتي هتفضلي تندبي طول عمرك! هو إنتي لوحدك اللي اتعرضتي للختان، ما بنات كتير حصل لهم كده وعايشين عادي”… إلخ.

 

محتاجة تاخد وقتها في اللي كانت محتاجة تحس بيه ودفنته، ووسط آمن وداعم تعبر فيه عن كل مشاعرها بكل حرية وبطريقة آمنة، عشان تحمي نفسها من سطوة المشاعر دي عليها، ومن إنها تعبر عنها بطريقة مؤذية ليها أو للآخرين. ده هيساعدها تقف على رجليها، وتستعيد إيمانها بنفسها وبحقها في الحياة، وتستطعم الحياة، تزعل بجد وتفرح بجد، تغضب بجد وتمتن بجد.

 

بعد ما المرحلة السابقة تاخد وقتها، هتكون البنت أقدر على اختيار شكل علاقتها بأهلها، فاحتمال تحس إنها محتاجة تقول “لأ” وتحط حدود، واحتمال تختار إنها تطلب منهم اللي هي محتاجاه. ولو هم حسوا بغلطهم ناحيتها واتغيروا، وبيحاولوا يعوضوها، فتعافيها ممكن يساعدها تستقبل المشاعر دي منهم وتجدد شوفانها ليهم ومشاعرها ناحيتهم.

 

وأحد الخيارات اللي ممكن بعض البنات يلجؤوا لها إنهم يتكلموا مع أهلهم كلام من القلب عن مشاعرهم ناحية اللي عملوه، مش بدافع اللوم ولا الصدام، ولكن عشان يتخلصوا من هم تقيل على قلبهم، ويحاولوا يحيوا العلاقة. ربما ده يكون مناسب ومفيد في بعض الحالات، ومؤذي وغير مناسب في حالات أخرى، حسب شخصية البنت والأهل وشكل ودرجة التغيير اللي اتغيروه في رحلة حياتهم، ومدى استعدادهم وانفتاحهم إنهم يسمعوا من قلبهم.

 

يعني هل ممكن نسامح أهلنا على أخطاء الماضي؟

العفو الحقيقي لا يكون إلا عند المقدرة، لأن ساعتها هيكون عن اختيار حر، يعني مش بسامح عشان حاسة بالذنب وإن دول أهلي ولازم أسامحهم وأحبهم، أو لأني قليلة الحيلة ومعووزة لهم. لأ، ده مش عفو ولا سماح. العفو الحقيقي لما أكون حابة نفسي، وقابلاها بكل مشاعرها وأخطائها وضعفها، من غير شعور بالذنب ولا الخزي، لما أكون قادرة أعبَّر عن نفسي وأقول “لأ” وأطالب بحقوقي. في الآخر ده اختيار كل واحد فينا، يسامح أو ميسامحش. ولو إنتي عاوزة تسامحي أهلك، فخدي وقتك ومتستعجليش على نفسك، ومتحسيش بالذنب لو مش قادرة تسامحيهم دلوقت، كل حاجة هتيجي في وقتها لما تكوني مشيتي سكتها وبقيتي مستعدة لها.

 

أهم ما في الموضوع هو علاقتك بنفسك، صورتك قدام نفسك، مشاعرك ناحيتها. ده هيفرق معاكي في كل جوانب حياتك، شغلك، وعلاقتك بأهلك وجوزك وولادك وزمايلك وأصحابك وبربنا. علاقة الإنسان بنفسه هي الأساس عشان مننتقمش من أهلنا في نفسنا، ومنرجعش نكرر أخطاءهم اللي عملوها معانا، أو نعمل عكس ما عملوا تمامًا في كل حاجة وكأننا بنعند معاهم. في الحالتين إحنا مش أحرار لأن اختياراتنا هتبقى بتدور حواليهم، زيهم أو عكسهم، برفض حاجة أو بقبولها لمجرد إنهم كانوا بيعملوها. إنما اختياري يبقى حر لما أشيلهم من حسباني وأعمل اللي أنا مرتاحة له ومقتنعة بيه، مش فارق معايا بقى زيهم ولا مختلف عنهم.

 

في النهاية.. عاوزة أقولك إنك اتعرضتي لظلم وغدر، جريمة مفيش كلام، كنتي ضحية، لكن دلوقت إنتي مسؤولة. صحيح إنتي مش مسؤولة عن اللي حصلك لكن مسؤولة عن تعافيكي. إنتي مخترتيش اللي فات، لكن تقدري تختاري الحاضر واللي جاي. بإيديك تكملي ضحية، وبإيديك تقرري تمارسي مسؤوليتك عن نفسك وحياتك وعلاقاتك. بإيديك تختاري المعاناة اللي هتقودك للعيشة الزائفة الخالية من أي روح، وبإيديك تختاري الألم الشريف اللي هيقودك للتعافي والحياة الحقيقية.

المقالة السابقة4 خطوات لإصلاح ما أفسده الختان
المقالة القادمةالمرأة والجنس وأصل معركة الختان

2 تعليقات

  1. وصفتى كل المشاعر اللى جوايا والالم حسستينى ان فى بنات كتير زى ومش انا لوحدى اللى بعانى
    انا حرفيا بموت كل يوم وانا بمثل انى كويسه قدام اهلى وجوزى وصحابى وانا بموت من جوة ونفسيا مدمرة بقعد اضحك واعمل نفسى عادى جدا وانا بتحرق من جوة

  2. أنتِ مش لوحدك يا نورهان. هي فعلا مشاعر مؤلمة جدًا والمؤلم كمان لما الواحد يحس إنه مش قادر يعبر عن الوجع ده ويمثل عكس اللي جواه. أعتقد طلب الدعم المتخصص ممكن يساعدك جدا إن شاء الله

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا