أول مرة أمومة: كيف أصبح قلبي أكبر من العالم؟

542

مفتتح
لما بحضنك وأحس دقة قلبي جنب قلبك.. مية في المية محبتش في الدنيا قدك.

متن

كان هذا العام هو أول أعوامي في الأمومة٬ أتم طفلي الجميل الرائع “أدهم” عامه الأول في شهر نوفمبر هذا العام٬ كان عامًا مختلفًا تمامًا٬ يختلف عن الثلاثين عامًا التي قضيتها قبله٬ كان هذا أول عام أستكشف فيه هذا العالم المرهق الممتع المليء بالصخب والحركة والمفاجآت.. والحب.

 

أنا أعرف الحب٬ وأعرف المسؤولية٬ وأزعم أنني أعرف كيف أمارس الاثنين بكفاءة٬ رغم كل عيوبي الأخرى التي أحفظها وأرددها بمناسبة ودون مناسبة. إلا أنني أعرف أن عدم القدرة على الحب ليس من بينها٬ على العكس أنا أحب جدًا للدرجة التي تجعل حبي هذا مزعجًا أحيانًا٬ ولكن كل ما اختبرته سابقًا لا يساوي مقدار ذرة من حبي لهذا الأدهم الصغير.

 

كل لحظة في العام المنصرم كانت مبهجة ومختلفة ورائعة بشكل لا يُصدق٬ يومي المرهق الذي يتسرب من بين أصابعي٬ وساعاتي التي أقضيها في لملمة الألعاب، والتشطيف من أثر الحمام، وصنع الكيك، وخلط الأرز مع الخضر وتقطيع الدجاج لقطع صغيرة جدًا ثم رمي كل هذا في القمامة لأنه لا يريد أن يأكل٬ قضاء الوقت في محاولة جعله يبتلع أي شيء سوى المناديل والورق وقطع البلاستيك الصغيرة٬ والتفكير في العمل الذي لا أنجزه والديدلاين الذي يئس مني٬ محاولة الجلوس في مكان لا يُرهِق عينَي بكراكيبه، ثم الاستسلام أخيرًا لقطع المكعبات والحيوانات البلاستيكية التي تحيطني من كل صوب٬ الزن الذي لا ينتهي لأسباب منطقية جدًا كأن أكون مثلاً مشغولة في تقطيع البصل أو تحضير الدجاج٬ أو أكلم أي شخص في الهاتف٬ أو أحاول أن أعمل٬ أو حتى أجلس في مكان لا يعجبه.

 

كل هذا الذي يحدث والذي لا يردعني لحظة عن الإحساس أنني راضية تمامًا بأن يبتلع هذا المخلوق الضئيل الذي يزِن ثمانية كيلوجرامات أيامي٬ وأنني أنتظر أن يبتسم أو يضحك أو يقوم بحركة جديدة لأصوره وأشارك صورته مع عائلتي٬ كل هذا يخبرني أنني لم أحب أحدًا أبدًا كما أحببته٬ وأنه لن يحبه أحد مثل هذا الحب الخارق٬ الذي لا أتفهمه أنا نفسي في أحيان كثيرة٬ شيء مبهم غريب وضخم جدًا لا يمكن تلخيصه في كلمات.

 

كان هذا العام عامًا جديدًا٬ جديدًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى٬ جديدًا في مشاعري التي أختبرها للمرة الأولى٬ جديدًا في الدفء الذي أحاط بيتنا٬ جديدًا في الصخب الذي ينبعث منه في كل الأوقات مصحوبًا بالضحكات حتى لو كانت ضحكات مغتاظة٬ جديدًا في الأولويات التي يُعاد ترتيبها وفقًا لمتطلبات المرحلة وواجبات الأمومة٬ واحتياجات “أدهم”.

 

في هذا العام تغيرت أنا نفسي كثيرًا٬ كنت عنيدة وقوية ومثابرة وناجحة٬ أصبحث أكثر قوة ومثابرة، وتعلمت كيف أروِّض العند وأحايله وأُهذِّبه. أما عن النجاح فقد حصدت منه الكثير؛ كل وجبة يأكلها طفلي نجاح٬ كل شيء مفقود أعثر عليه بعد بحث طويل ثم أكتشف مخبئًا سريًا اخترعه “أدهم” ليخفي فيه الأشياء نجاح٬ كل يوم يمر بسلام دون أن يتعرَّض أدهم للأذى هو نجاح٬ كل مرة أتمكن فيها من صنع المحشي دون أن ينفطر “أدهم” من البكاء هو نجاح٬ كل مقال أكتبه وأسلمه رغم الجري المستمر في كل الاتجاهات والانشغال التام بكل تفاصيل اليوم الصغيرة التي تتطلب انتباهًا شديدًا هو نجاح٬ كل مرة أتمكن من حضور اجتماع أو أرسل إيميل دون أن أنسى أي تفصيلة هو نجاح٬ كل مرة نتسوق فيها لاحتياجات الشهر وأتمكن من تذكر كل الأشياء في القائمة التي أحملها في يدي وألف في المكان دافعة العربة التي يركبها أدهم، وأغني له وأنظر حولي على الأرفف وأهرول في الممرات هو نجاح٬ كل كوب قهوة في بداية اليوم وكوب شاي بلبن في نهايته هو نجاح.

 

لم أكن لأختبر أيًا من هذا لو لم يكن هذا العام هو أول أعوامي في الأمومة٬ ممتنة أنا يا رب على كل كلمة كتبتها هنا٬ وممتنة للتفاصيل الأكثر التي لا تسعها الكلمات.

خاتمة
حبيتك متل ما حدا حب.. ولا بيوم راح يحب.

المقالة السابقةبعد البداية
المقالة القادمةأن تكون حازم دياب
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا