أن ينجيكِ التخلي

1888

 

بقلم/ ولاء الشامي

“رسالة إلى فلانة الفلانية التي لم تؤمن بعد بأن إفلات اليدين هو مُخلصها الوحيد”.

صدقيني.. في النهاية ستجدين نفسك مفردة تمامًا منهم، ومن كل شيء صنعوه لكِ، هذا إن فعلوا شيئًا يستحق أصلاً، بطبيعةِ الحال عند الرحيل يأخذون كل ذلك معهم وأكثر منه، تلك الروح البائسة المنتظرة لكلمة عطوف تحييها، مواجهةً لنفسكِ تمامًا، تحاسبينها على صمتها إزاء ما اقترفتِ في حقها، إزاء تلك النقرات الخفيفة التي كنت تشبعين جدارها الهش بها، في كل لحظة تتلمسين فيها العذر، وفي كل ثانية كنتِ تنتظرين ذلك الود الذي لا يجيئ أبدًا حتى تصدع الجدار أو كاد، ثم تنقبين عن الجمال فيها، ولكنك ستكونين وحيدة تمامًا كما لم تتعودي من قبل، لدرجة أنكِ ستخشين أن ذلك الجمال بلمحة خاطفة اختفى. في الواقع هو لم يختفِ، لكنه رحل بعيدًا، ربما ليجعلك تنتبهين لوجوده، فحين يضنيكِ البحث عن شيء ثم تجدينه، تُقدِّرينه وتشكرين لله كل ما حباك به.

 

أذكر وقت قلتِ لي “ليس كل الراحلين تظل الأماكن فارغة وراءهم”، ولكن ليس كل الراحلين كـ”هم” يا حبيبتي، كأولئك الذين لا يهمهم سوى أن يكون الكل جالسًا على حَجرِ الانتظار الخشن، في حين أن ذلك الانتظار لن يجدي أبدًا.

 

قدرتك على التخلي هي الحامية الأمينة على روحك متى تخليتِ، متى أدركتِ أن تلك الأشياء التي تعصف بروحك مجرد أثقال، لكنها تجعل الحمل لا يطاق.

 

قبيل ذلك التخلي وبعده فارق كبير جدًا، ومهم في تكوينك النفسي وصقلك ضد أي انكسار. قبيل التخلي ستشعرين أن روحك في مقام السيطرة، مُسيطر عليكِ، تتحركين كأنك منومة مغناطيسيًا، أو كمن يتخبطه الشيطان من المس، تفكرين بعقلهم وترين بأعينهم بوعي كامل، مُدرِكة لهول التجربة التي أجبرتك الحياة وهشاشتك النفسية على الغوص بداخلها، أملاً في نهاية مختلفة.

 

أما بُعيد التخلي “أنت حر وحر وحر” كما سبق أن عبر الغالي محمود درويش، تلك الحرية المحلقة فوق سقف البعاد.. تحلقين فوق سقوفهم جميعًا كطائر حبس زمنًا لكنه لم ينسَ بعد التحليق، ذلك أن حنينه الجارف للوطن هو ما شكّل وعي جناحيه على الحرية والتحليق، فلا حدود لكِ حينها، ولا شيء سيوقفكِ. ستخلدين ولو للحظة كإنسان سابقه الريح فسبق. خياليٌّ هذا المثال، أعلم ذلك من نظرتك غير المصدقة وأنت تقرئين، ولكنك ستجدينه منطبقًا تمامًا لما تشعرين به وقت أن تحلقي.

 

حين تكون جريمتكِ الوصال المحبب والتودد لطرف قطع من روحه جزءها الخصيب، حينها فقط ستبحثين عن التخلي، سينقذك كبطل خرافي في حكاية سحرية، كإنسان اختار أن يقف معك للنهاية رغم فشلك واستسلامك وإحباطك.

 

ولكن أين ذاك التخلي؟!

وأنتِ تؤمنين تمامًا أن مجرد التفكير فيه مستحيل، وأنكِ سواهم في مأزق، دائما في مأزق، فأنت حين تنفردين بنفسك تخشين أن تبلعكِ الوحشة الكامنة في ثنايا روحك. ولا تعلمين حقًا أن تلك الوحشة هي صنيعة يديك.

 

تخلي.. تخلي عن تلك “الحاجات”، ودعيني أسميها هكذا، ولكنها فعلاً مجرد “حاجات” أنتِ من جعلتِها تُلح عليكِ وتلعب على وترك الحساس، إحساسك الهش وروحك الضعيفة. ليس عيبًا أن تكون روحك ضعيفة، لكن العيب كل العيب أن تقدميها قربانًا تحت مذبحة الود الزائف لأرواح وضيعة، باعها أصحابها دونما ثمن حتى.

 

حين تستطيعين أن تطلقي يديك وتفلتينهما ثم تنفضينهما من ذاك الغبار الذي تعلق بهما جراء تمسكهما بزيف وخداع، حينها فقط ستجدين روحك كاملة مبرأة، ستجدين روحك بيضاء كما تحبين أن تكون.

 

“علوضعك”.. سأستعير هذا التعبير العامي، فأنتِ يجب أن تظلي على وضعك هذا، جميلة بروحك المتفردة المتميزة، لا تكتسبين مفاهيم الحق والخير والجمال من الآخر، خصوصًا لو كان الآخر متخبطًا في مفاهيم خاطئة.

دعي عنكِ ذاك التشبث بتجارب ستنهي آخر رمق لحلو صفاتك الواحدة تلو الأخرى.

 

أذكر حين شكوتِ لي قائلة “أرغمتني حياتي البائسة على خوض التجارب الأليمة، ولم تنجني طيبتي ابتداء من كل شرير مَرَّ عليّ”.

تعالي الآن أربت على كتفك المثقل هذا، ونردد معًا “ولا تدخلنا في التجربة، لكن نجنا من الشرير”.

 

 

المقالة السابقة10 نصايح توفيرية لو هتشتري هدومك أونلاين
المقالة القادمةدليل سوق العتبة للتوفير، سوق العتبة للملابس والماكياج والأدوات الكهربائية
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا