أن تنتمي لأحد

1269

 

بقلم/ وفاء مرزوق

 

الكلمات التالية لن تجد فيها الحل السحري للعثور على شريك لك، لكنها مجرد إقرار للواقع، إقرار للشعور والاحتياج.

 

“ليس لي إنسان” هي تلك الجملة التي وإن لم يقلها البعض بلسانه فإنها تتردد بقوة في داخله في مواقف وأوقات كثيرة، خصوصًا وقت الحاجة إلى كتف مُصاحبة في الحياة. هو ذلك الاحتياج المشترك للرجال والإناث على السواء.

 

هو ذلك البحث الذي لا ينتهي عن الشعور بالألفة والود والحميمية بالقرب من شخص. هو تلك الرغبة العميقة في شعور “أن تنتمي لأحد” وأن “ينتمي إليك أحد”. هي اللحظات الأولى من الصباح واللحظات الأخيرة من اليوم، التي نرغب فيها بالشعور بالمعية.

 

أن تنتمي لأحد، إنه شعور الانتماء الدافئ. هو شعور أنك مرغوب وأن أحدهم يحتاج إليك. يأنس بوجودك في الحياة. أن تنتمي هو أن تشعر بالمعية حتى وإن بعدت المسافات بينك وبين من تحب.

الانتماء هو أن تشعر أن لك ونسًا في وحشة تلك الحياة. أن هناك من ينتظرك، أنك لست مثل الترس المُلقى بمفرده، بل إنك في التحام مع كيان آخر.

 

نعم، نحن محاطون بعدد كبير من البشر، لكن هذا الكم ليس ما نبحث عنه، نحن نبحث عن علاقة خاصة، عن “إنسان”. ليس أي إنسان وحسب، ولكن عن ذلك الشعور الدافئ بالقلب حينما نكون بصحبة ذلك الإنسان. بتلك الراحة والقبول والاحتواء وعدم التكلف. عن شعور أن تكون “أنت” وكفى، أنت الحقيقي، أنت ما أنت عليه بالفعل، وشعورك بقبول لتلك الكينونة.

 

إننا نبحث عن التفهم لما يُقال، عن حُسن الظن بنا. إننا نبحث عن ذلك الإنسان الذي يحتوي كياننا بوجودنا بقربه. عن ذلك الإنسان الذي يملأ الكون الخاص بنا، ونملأ كونه الخاص أيضًا. نرغب في أن يكون هناك شخص في فكرنا نشاركه ما نمر به من أحداث ومواقف مبهجة ومحزنة.

 

هو ذلك الشخص الذي نُشارك معه تفاصيلنا ويُنصت إلينا باهتمام، عندما نتحدث عن أحلامنا الكبيرة والطفولية، عن قوتنا وعن ضعفنا، عن فرحنا وعن حزننا، عن مخاوفنا وقلقنا. هو إحساس القبول الكامل عندما نبوح بأكثر المواقف خزيًا لنا! هو تلك الابتسامة التي ترتسم على وجوهنا بلا سبب بمجرد أن نتذكر هذا الإنسان. هو قولك بفخر: “أنا أنتمي لهذا الشخص”.

 

البعض ليس لديه إنسان وينقصه شعور الانتماء، لكنه قد يخجل من التصريح بذلك أو يراه ضعفًا أو احتياجًا لا يجب التصريح به.

 

فاسمح لي يا عزيزي/عزيزتي أنا أشارك تلك الأحاديث الداخلية معك، علك تجد فيها الكلمات التي تود التعبير بها، أو تدرك أن هناك من يشاركك ذلك الشعور وهذا الاحتياج.

 

ليس لي إنسان أنتمي إليه وأراني في عينيه، وأرى الحياة من خلاله. ليس لي إنسان يحرك تلك المياه الراكدة في الحياة. ليس لي إنسان يكون روتين الحياة بوجوده مقبولاً. ليس لي إنسان نتشارك الأحلام معًا ونستمتع بتحقيقها. ليس لي ذلك الشعور بالانتماء والونس بالقرب من إنسان. ليس لي إنسان يحول برودة الحياة إلى دفء! ليس لي إنسان أخبره عن أغنيتي المُفضلة. ليس لي إنسان الطفلة والأنثى التي بداخلي تأنس به. والمراهق والرجل يجد راحته معه.

أن تنتمي لا يعني أن تنصهر في كيان أحدهم، ولكن أن تُحتوى.

 

نبحث عن “إنسان”.. لكن ليس أي إنسان وحسب

 

المقالة السابقة“يوم الدين”.. لا يوجد أشرار في هذا الوطن
المقالة القادمةاطفال متلازمة داون هل يختبرون مشاعر الجنس والرغبة!
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا