أنا إيه خلاني أتجوز؟!

786

في جلسة نسائية صديقة يسألنها عن عزوفها عن الزواج، فقالت مستنكرة “وأنا أتجوز ليه؟”.

لكوني عروسة جديدة (حيث لم يمر عام بعد على زواجي) شعرت برجفة من هكذا تساؤل.. لما وُجّه إليّ السؤال تهرّبت؛ لم أتمكن من صياغة رد، الحمد لله لم ينتبه أحد لذلك. لكني بِتّ بعدها ليالي في التفكير حول “هو أنا اتجوزت ليه؟”، “طب لو الزمن رجع هتجوز برضو؟”.

فكرت في كل التفاصيل: في السؤال، في الجواب، في عجزي عن الجواب، ولم أصل إلى رد يقنعني بجدوى تلك الرحلة الشاقة التي يجب ألا تنتهي أبدًا.. رحلة الزواج.

 

كوني البنت الصغرى في عائلتي، وكوني الغريبة عن قواعد الأسرة، والخارجة دومًا عن السياق -كما يرى الكثيرون في المحيط العائلي- الممسكة دائمًا بكتب ذات عناوين غير مفهومة وأغنيات إديث بياف التي لا أفهم منها حرفًا، كانت تلك أسباب كافية لاستعجال كل من حولي على زواجي.

 

ولما كنت أريد الزواج لكني لم أقتنع بالعجلة في الأمر، فأحاول وأبحث عن طريق للاقتناع بها والسعي في ذلك، فأسأل أيًا من المتزوجات “اتجوزتي ليه؟” كانت الإجابات غالبًا لا تخرج من فلك “عشان كبرت، نفسي أبقى أم، زهقت من بيت أهلي، ضل راجل”، ولكن الجواب الذي بدا بديهيًا ومكررًا “عشان دي سنة الحياة”، تلك الإجابة التي لم أفهم لها معنىً حتى الآن، سُنّة الحياة كما أعرفها أن نعمّر في الأرض، ندرس ونعمل وننتج ونتعارف ونسافر، لا لنتخطب ونتجوز ونخلف أطفال لا نعرف أبجدية التربية معهم، ليكبروا ويتخطبوا ويتجوزوا وييجيبوا أطفال… وهكذا.

 

لن أنكر.. قد أردت الزواج.. أردت بيتًا، لا أعرف لماذا، لكني أعرف أني لم أُرِد بيتًا بُني فقط لأن شبح الثلاثين يلوح في الأفق، أو لأني مقيدة في بيت العائلة بأصول لم أقتنع بمعظمها يومًا وأود الخلاص منها بسلام ودون خسائر في الأرواح، لم أود اتخاذ مثل ذاك القرار تحت ضغوط. وكذا لم أحتج لضل راجل، فطالما قنعت أن ضلي وضل عملي وضل أصدقائي عمليًا يكفي، وكذا لم أرد لابنتي التي انتظرتها سبع سنوات أو أكثر أن تنشأ في بيت تظن فيه أن النساء خُلقن للزواج ومن ثَمّ تلقّي الأوامر، فابنتي التي حلمت بها رجوت من الله لها أبًا.. أبًا وليس وسيلة لإنجابها. وبالضرورة لم أرد الزواج لأنه سُنّة الحياة، فأي حياة إن لم تكن بسَكَنٍ ورسوٍ وعفو ورحمة؟!

 

لم أفهم لماذا تخرج البنات من سجون العائلة إلى سجون أزواجهن. إن لم نسعد ونسترح في حياة جديدة، إن لم نقف بسكينة على ميناء تبدأ منه الأحلام الخاصة كما المشتركة، إن لم تهدأ أرواحنا ونجد ملاذًا من أوجاع العالم في دنيانا الجديدة تلك، فلمَ ندخلها؟! حقًا لمَ ندخلها ونُصرّ على إكمال المسير بها؟!

 

حتى تلك الجلسة وذلك السؤال الذي حشرني في ركن عقلي “هو أنا اتجوزت ليه؟” لم أكن أعرف صياغة واضحة للجواب، حتى فهمت أن الأمر كسماعي أغنية لإديث بياف، أنا التي تسمع الفرنسية كطلاسم سحر أسود ولا تعرف منها أكثر من “بونجور، ميرسيه، بونسوار، لامور” وغير متأكدة حتى من معانيها، ومع ذلك أرقص معها وأُخرِج لها كليبات في خيالي وأحفظ الألحان، ولا أجيب على تساؤل مَن حولي “إنتي فاهمة هي بتقول إيه؟”.

 

نعم.. أفهم ما تغنيه بياف، أفهمها كما لو شرحها أكثر فاهم للفرنسية وأكثر فاهم للموسيقى وأكثر فاهم لطبقات الأصوات، أفهم بياف وأشعر أثرها وأعيد سماع أغانيها، أنا فقط لا أعرف صياغة ما تفعله بي موسيقاها، ولكني أفهمه.

لا أعرف صياغة للسبب، ولكني أفهم ما فعله بي الزواج.

أعرف -وقد تأكدت- أن إقامة البيوت ليست بالأمر اليسير، خصوصًا تحت مظلة الضغوط الاجتماعية والنفسية والمادية الطاحنة، وعرفت أيضًا أن إقامة البيوت قد تحيلنا تروسًا تعمل على مدار الساعة وتجعل راحة البال أمرًا ترفيهيًا نسرقه مرة في السنة، وقد لا نستطيع. لكني أرى بيتنا بعدما كان جنينًا نحلم به، ثم بدأ يداعبنا من داخل رحمه، ثم انكسرت ظهورنا مع آلام الطلق والولادة، الآن نربيه بحذر ونرضعه من لبن قلوبنا ليكبر قويّ المناعة، قوي الجسد والروح. أعرف فقط أن الزواج هو الطريقة الأيسر –أو هكذا يجب أن نجعله- لنعيش إلى جوار من تطمئن إليهم نفوسنا.

 

الآن تعلمت لو سُئلت عن أغنية ما لبياف، مثلاً non je ne regrette rien فأعرف أن في الأغنية امرأة قوية لا مبالية بما سيحدث، لا تلوي على شيء ولا يد موجوعة لها تُمسَك منها، أتخيلها تقف تحت الشمس في حديقة بيتها بصحبة كوب قهوة وكتاب. وأغنية Ne me quitte pas لامرأة تستجدي حبًا غير موجود، أظنها تغنّي لمرآة في حجرة بها سرير موضوع بجانب الحائط ليليق بامرأة وحيدة.

وإن سُئلت ثانيةً “اتجوزتي ليه؟”، فحتى أتمكن من صياغة إجابة توفّي كل ما يدور برأسي وقلبي، سأدير أغنية La vie en rose وأرقص وأنا أفكر في هدية جديدة لبيتنا الطفل.

أما لو عاد بي الوقت وتكررت فرصة الاختيار، فقط سأضيف في الفرح رقصة سلو على إحدى أغاني بياف.

 

المقالة السابقةالحب حلم.. والزواج حقيقة
المقالة القادمةكيف ترخين أعصابك قبل يوم الزفاف

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا