أنا أم مثالية

1140

 

بقلم/ آية نبيل السيد

 

إننا في عصر التكنولوجيا وجيل مثقف ومتعلم ومتطلع دائم لكل ما هو جديد، ومن السهل الوصول للمعلومة بأقل مجهود، ولذلك تكاثف في الآونة الأخيرة تدريبات وكتب ومقالات عن رعاية الرضيع في أعوامه الأولى وعن تربيته في أهم مراحل التربية حتى البلوغ، وكيف تصبح الأم مثالية وتتجنب أساليب التربية الخاطئة من وجهة نظر الكاتب، وحتى القارئ، واتباع الأساليب العلمية والتربوية للوصول لجيل سوي ومنتِج وصالح في المجتمع، وتشعر وقتها الأم بأنها أم مثالية.

 

ولكن أحقًا آباؤنا أخطؤوا في تربيتنا تربية سليمة سوية؟ هل اتباع نفس أساليبهم سواء في الثواب والعقاب أو غيرهما جعلنا معقدين وبداخلنا الكثير من الاضطرابات النفسية، لذلك نريد تجنبها حقًا، أم أن هذا الحكم قاسٍ وأننا لسنا بهذا السوء الذي نعتقده؟

 

لا أشكك في أن القارئة المطلعة ناجحة في تربية أولادها، ولكن ما أحاول إيضاحه أن آباءنا أيضًا ناجحون ونجحوا في تربيتنا تربية سوية، فهناك من ترى أن هذا غير صحيح وأنها تربت بأسلوب خاطئ ستتجنبه مع أولادها، حتى تجعل أولادها غير معقدين مثلها، ولكن من أخبرك أن أبناءك خالون من العقد النفسية إذا اتبعتِ الأساليب العلمية في الكتب والمقالات العربية والأجنبية؟

 

أنتِ بالفعل ستنجحين في تجنب العقد النفسية التي تعرضتِ لها، ولكن ستولد عقد نفسية أخرى، وهكذا، لذلك لا ترهقي نفسك كثيرًا للوصول إلى المثالية أو الأبناء المثاليين، فهذه الكلمة وهمية الوجود في أرض الواقع.

 

على سبيل المثال هناك ما يدعو إلى مصادقة الأبناء وأن نحتويهم حتى يتحدثون بكل ما يحيرهم، ونخبرهم بالأصح والتجارب لتجنبهم الفشل، بالفعل هذا الأسلوب سيضمن لك تجنب أبنائك الفشل في الكثير من المواقف، ولكن ستجعلينهم دائمًا معتمدين على آرائك في كل شيء، وإن صادفه ما لم تمري به أنتِ وعجزتِ عن إفادته وتركتِه يأخذ قراره، حينها ليس المشكلة إن أخذ القرار الخاطئ، ولكن المشكلة أنه لن يكون لديه جرأة الاختيار، فهو لم يعتد ذلك، وسيلجأ لمن ينصحه بالقرار، وهذا يجعله بلا قرار، وإن اضطر لذلك وكان قراره خاطئًا سينهار وسيفقد الثقة في نفسه التي لم يكتسبها من الأساس، وحينها ستولد عُقده النفسية المختلفة عنك وليس بمثالي كما اعتقدتِ.

 

فالهدف من كل هذا هو إدراك أن لكل أسلوب مميزاته وعيوبه، فأسلافنا أصابوا وأخطؤوا، وكذلك نحن نتبع أساليب مختلفة تصيب وتخطئ. فاتباعك أسلوبًا لا يعني انتقاد غيره، ولكن اختيارك لأسلوب يكون مبنيًا على حرصك على إكساب ابنك صفات تهمك، رغم خسارة صفات أخرى في المقابل. وكل بيئة ومجتمع له صفاته الخاصة، فلا تسيئي لغيرك لاتباع طريقة مختلفة عن طريقتك، حتى وإن كانت علمية ومُدرسة.

 

أحقًا آباؤنا أخطؤوا في تربيتنا تربية سليمة سوية؟

 

المقالة السابقةصورة بالكاميرا الأمامية
المقالة القادمةتأشيرة دخول إلى عالم الرجال
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا