كيف أحب نفسي وأهتم بها؟ حب الذات ليس أنانية، حب الذات والثقة بالنفس

2933

الصورة المنطبعة في أذهان الكثيرين منا عن الأم أنها رمز التضحية والعطاء بلا مقابل، وأنها شمعة تحترق من أجل أبنائها. وبسبب هذه الصورة النمطية قد تشعر أي أم بالذنب عندما تحاول أن تخصص وقتًا لنفسها تمارس هواية أو تسعى وراء حلم أو تستجم. كبرنا على أن التضحية هي دليل حب الآخر، وأن حب النفس والاهتمام بها هو الأنانية بعينها. وهذا على الرغم من أنني لاحظت أن أكثر الأوقات التي يكون لديّ فيها طاقة حب وعطاء نحو صغيرتي “شمس” عندما أكون قد نعمت ببعض الوقت لنفسي: كوب شاي بالنعناع أو كابوتشينو وأنا أكتب مقالاً، أمدد على السرير وأنا أقرأ كتابًا، ألتقي بصديقاتي، أحضر تدريبًا… إلخ. وعلى العكس، عندما أكون في دوامة الاعتناء بها والقيام بأعمال المنزل أجد أنني غير متحمسة للعب معها ومشاركتها المرح، وبالكاد أقوم بإطعامها والتغيير لها وغيره من متطلبات العناية الجسدية. 

خطوات حب الذات وحب الآخر

أؤمن أن الإنسان لا يستطيع أن يحب الآخرين ويعتني بهم دون أن يحب نفسه، والعكس أيضًا صحيح. أي أن حب النفس وحب الناس وجهان لعملة واحدة وليسا متعارضين لا يمكن الجمع بينهما. وأريد في هذا المقال أن أفك الاشتباك بين عدة مفاهيم وكلمات ملتبسة: حب الذات والأنانية، حب الناس والاعتمادية.

حب الآخر معناه في رأيي:

  • أن تقبله بغير شروط، بنقاط ضعفه وقوته، أن تظل تقبله حتى عندما يخطئ.
  • أن تحترم حقوقه وتعطيه إياها.
  • أن تعمل على تلبية احتياجاته قدر استطاعتك.
  • أن تقدر مشاعره.

الحب عطاء كما في النقاط السابقة، ولكنه أيضًا أخذ، فأن تحبي إنسانًا معناه أيضًا:

  • أن تشعري معه بالأمان، أن يكون لديكِ القدرة أن تكوني معه على طبيعتك، أن تظهري أمامه ضعفك.
  • أن تعبري له عن احتياجاتك ومشاعرك بحرية ودون خوف من الرفض.

فالحب = أخذ + عطاء. 

الأخذ فقط = أنانية.

العطاء فقط = اعتمادية.

هل حب الذات ليس أنانية؟

حب الذات هو أن تطبقي معنى الحب المذكور أعلاه مع نفسك. أما الأنانية فهي أن تهتمي بنفسك على حساب الآخرين.

يصف إيريك فروم في كتاب فن الحب الشخص الأناني بأنه “ليس مهتمًا إلا بنفسه، ولا يشعر بأي لذة في العطاء، بل يشعر بها في الأخذ. ولا ينظر إلى العالم الخارجي إلا من وجهة نظر ماذا يمكن أن يحصل عليه منها، إنه يفتقد الاهتمام بحاجات الآخرين، وكذلك يفتقد الاحترم لكرامتهم وتكاملهم. إنه لا يستطيع أن يرى سوى نفسه، إنه يحكم على كل فرد وكل شيء من زاوية النفع بالنسبة إليه، إنه أساسًا عاجز عن الحب”.

إن الشخص الأناني لم يحصل على احتياجه إلى الحب والتقدير والاهتمام، ومن ثَمَّ فهو لا يشعر بالأمان، ولذلك فهو يسعى إلى تأمين احتياجاته وتحقيق مصالحه بكل ما أوتي من قوة، في محاولة منه للبحث عن الأمان الذي يفتقده. فهو عاجز عن حب الناس وحب نفسه أيضًا.

وهذا معناه أن الأمثلة التالية هي حب لذاتك وليست أنانية:

  • أن تطلبي من زوجك أو أمك أو أحد أقاربك أن يرعى الأبناء لترتاحي أنتِ أو تخرجي أو تدرسي.
  • أن تتركي الأبناء مع حماتك أو أمك للخروج/ السفر مع زوجك.
  • أن ترفضي استغلال صديقتك لكِ في قضاء مشاويرها أو استعارة أدواتك/ ملابسك/ أموالك باستمرار.
  • أن تتخذي موقفًا من أي إهانة توجه إليكِ.
  • أن تعبّري عن مشاعرك السلبية تجاه موقف ما.
  • أن تعبري عن احتياجاتك ورغباتك وتدافعي عن حقك في أن تؤخذ بعين الاعتبار.
  • أن ترغبي في يوم الإجازة في الذهاب إلى السينما أو التسوق في حين يرغب زوجك في المكوث بالمنزل.
  • أن تقومي من وقت لآخر بالذهاب إلى الكوافير أو شراء شيء ترغبين فيه ولا تقومي بادخار الأموال أو شراء شيء للمنزل أو الأبناء.
  • أن تسعي لتحقيق حلمك أنتِ لا حلم والديكِ.
  • أن ترفضي استلام عمل زائد أو خارج مسؤوليتك… إلخ.

كيف أحب نفسي وأهتم بها؟

وعلى الجانب الآخر.. فإن اهتمامك بالآخرين على حساب نفسك هو الاعتمادية، أو كما أطلق عليه إيريك فروم في نفس الكتاب “عدم الأنانية العصابية”. يقول المؤلف “الشخص غير الأناني لا يريد أي شيء لنفسه، إنه لا يعيش إلا للآخرين، إنه فخور بأنه لا يعتبر نفسه مهمًا. وهو يتحيّر عندما يجد أنه بالرغم من عدم أنانيته ليس سعيدًا وأن علاقته بأقرب الناس إليه غير مرضية… إنه يكشف عن أنه مشلول في قدرته على الحب أو التمتع بشيء، إنه يكشف عن أنه محاصر بعداء للحياة وأن وراء واجهة عدم الأنانية يختفي تمركز ذاتي خادع لا يقل شدة”. 

عدم الأنانية العصابية أو الاعتمادية أيضًا تخفي وراءها شعورًا بعدم الأمان، مما يدفع الشخص إلى محاولة الحصول على هذا الأمان أيضًا -كما يفعل الشخص الأناني ولكن بطريقة مختلفة عنه- عن طريق السعي إلى إرضاء الناس، إنه يخشى رفضهم، فيعمل على تحاشي هذا الرفض بكل السبل الممكنة، حتى وإن كان هذا على حساب سعادته ورضاه عن نفسه وحياته. إنه يفعل ذلك وهو يظن أنه بذلك سيكون سعيدًا، ولكنه يكتشف مع الوقت أنه غير سعيد. ربما يحصل على سعادة وقتية أو أمان مؤقت ولكن ليس على المدى الطويل، مثل مدمن المخدرات يشعر بلذة لحظية عند تناول المخدر ولكنه بعد زوال أثره يواجه الواقع الأليم الذي تتفاقم شراسته.

أمثلة على الاعتمادية

وهذا معناه أن الأمثلة التالية هي اعتمادية وليست حبًا للناس:

  • ابتلاع الإهانات من زوجك، خطيبك، حماتك، والديك… إلخ.
  • موافقة خطيبك في كل آرائه واختياراته للأثاث، قاعة الفرح… إلخ.
  • إلغاء ذوقك أمام ذوق خطيبك أو زوجك واللبس كما يعجبه وإن كان لا يعجبك.
  • أن تذهبي مع صديقتك دائمًا في مشاويرها حتى وإن كانت ظروفك لا تسمح.
  • تشعرين أنكِ السبب في كل مشكلة تحدث، أنتِ وليس الآخرين.
  • أن تتحملي المسؤولية عن مشاعر الآخرين، فتعتقدين أنكِ السبب الوحيد في تعاستهم/ سعادتهم.
  • تنكرين مشاعرك وربما لا تعبرين عنها بدعوى عدم إزعاج الآخرين.
  • عدم التعبير عن احتياجاتك من الآخرين تحت مسمى التضحية والتحمل والتسامح.
  • إخبار صديقتك بكل ما يخصك -حتى ما لا تريدين قوله- لكي لا تغضب منكِ… إلخ.

إن الحب لا يكتمل دون أن توازني بين الأخذ والعطاء، بين حبك لنفسك وحبك للناس. وينقل كتاب “فن الحب” اقتباسًا من كلام مستر إيكهارت في هذا الموضوع “إذا أحببت نفسك فقد أحببت كل شخص آخر كما تفعل إزاء نفسك. وطالما أنك تحب شخصًا آخر أقل مما تحب نفسك، فلن تنجح حقًا في حب نفسك، ولكن إذا أنت أحببت الجميع على السواء بما في ذلك نفسك فسوف تحبهم كشخص واحد”.

****

كتاب “فن الحب” من تأليف إيريك فروم، والناشر: دار الكلمة.

المقالة السابقةوجهكِ عالمه
المقالة القادمةفرحة من قلب الوجع

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا