أحباب الله

497

 

بقلم/ حازم أشرف

 

صوت شريط تسجيل يعود إلى الوراء، أغمض عينيك، انظر بقلبك لما كان بالماضي، تأمل اللحظات السعيدة، شاهدها كما لو كنت تتابع فيلمًا بطله أنت.

 

لا أستطيع تذكر طفولتي جيدًا، ولكن حين تُذكر الطفولة بحوارٍ ما، يغمرني شعورٌ جميلٌ. تلك السنوات القليلة التي نستمتع فيها براحة البال وخلو القلب من كل ما يصيبه بالهم.

 

أَنْظُر إلى أسفل السرير لعلي أجد ضالتي، أندهش لوجود ذلك الصندوق الذي أصابه التراب، كما أصاب ذاكرتي فأنساني إياه، أُخرج محتوياته وأتأملها، وجدت الكثير من المسدسات البلاستيكية وخرزًا لم يستعمل، صورًا فوتوغرافية لأعياد ميلاد مختلفة، صلصالاً ورسمًا أقرب للفوضى، في قاع الصندوق وجدت سجلاً كُتِب على غلافه 2005.

 

أجلس على الأرض وأنا أقلب مذكرات طفلٍ في العاشرة من عمره، كان الخط رديئًا، وما زال، تلك الخواطر ذكرتني بأحداث محاها الزمن. أنا وفلان صرنا صديقين، اليوم بدء العام الدراسي الجديد، صُمت شهر رمضان كاملاً، معلمتي أذت مشاعري على الرغم من صحة موقفي، اليوم بكيت لكذا وكذا، أمس ضحكت حتى امتلأت عيني دموعًا، غدًا سأقول لها أحبك، سؤال بالسطر الأخير معناه: لماذا الناس تكره؟ أحمد الله لأني حصلت على الدرجة النهائية باللغة العربية، عصر اليوم أصبت بندبة فوق حاجبي، خيال شارب يظهر تحت أنفي، باقي الصفحات كان خاليًا من الحبر.

 

ذكرتني تلك المدونات بومضات من أواخر سنين الطفولة، وجعلتني أعتبرها طفولة سعيدة، لكنها دفعتني للتساؤل إن كان قد بقي شيء من تلك الفترة بشخصيتي، أطرد الفكرة وأستهزئ بالسؤال لأني صرت شابًا جامعيًا ذا شخصية ناضجة.

 

لكنني قمت بمراجعة نفسي، فوجدتني حتى الآن أضحك حتى الدموع، وأرغب بالبكاء وحيدًا. مبدأ العناد يظهر أحيانًا، وأخفيه أحيانًا أخرى، وقتها أراني طفلاً متمسكًا بلعبته ولا يرغب بمن يشاركه فيها.

 

أري أن جيلي ترك طفولته مبكرًا، والجيل الذي يليه تركها أكثر إبكارًا. ترْك الطفولة في غير وقتها ليس بميزة، فحين تُضغَط مرحلة عمرية معينة، يؤثر ذلك الضغط على بقية المراحل بترك بصماته عليها.

 

هل الطفولة أمر حتمي؟ كثيرًا ما أرى بشارعنا رجالاً بسن الثامنة، لقد دفعتهم الظروف إلى العمل وترْك التعليم، طفولتهم تحولت إلى رفاهية لا يستطيعون إظهارها، فإن ظهرت طردهم صاحب العمل.

 

ما يحدث في شارعنا من مشاجرات وعدوانية هو نتيجة للكبت، والكبت لن نشفى منه إلا بعيش اللحظة كما لو كنا أطفالاً، ذلك النقاء الذي يولدون به كأنهم ملائكة بالمهد، يا ليتني عدتُ طفلاً، فالأطفال أحباب الله.

 

صندوق الذكريات

 

المقالة السابقةهوس المثالية
المقالة القادمةبدلة رقص حمرا وبترتر
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا